ارتفاع أسعار الفائدة يضغط على المقترضين «2 من 2»

بوجه عام، شهدت البلدان التي تطبق أسعار فائدة معومة على الجزء الأكبر من قروضها العقارية تراجعا كبيرا في أسعار المساكن، نظرا لأن ارتفاع أسعار الفائدة سرعان ما يؤدي إلى صعوبات في أداء مدفوعات القروض العقارية. وتواجه أسواق العقارات التجارية ضغوطا مماثلة، حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى نضوب موارد التمويل، وتباطؤ المعاملات، وتزايد حالات العجز عن السداد.
ويفرض ارتفاع أسعار الفائدة تحديات أمام الحكومات أيضا. فالبلدان الواعدة ومنخفضة الدخل تواجه مشقة أكبر في الاقتراض بالعملة الصعبة، كاليورو والين والدولار والجنيه الاسترليني، بسبب العائد الأعلى الذي يطلبه المستثمرون الأجانب. وخلال العام الجاري، صدرت سندات العملة الصعبة بقسائم -أو أسعار فائدة- أعلى بالفعل. غير أن المخاوف بشأن الدين السيادي ليست حاضرة في البلدان منخفضة الدخل فحسب، كما اتضح من الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة الأطول أجلا في الاقتصادات المتقدمة.
في المقابل، لا يواجه عدد كبير من الاقتصادات الصاعدة الكبرى هذا المأزق، بفضل قوة أساسياته الاقتصادية وسلامته المالية، على الرغم من تباطؤ تدفقات استثمارات الحافظة الأجنبية إلى تلك البلدان أيضا. ففي الشهور الأخيرة، شهدت الصين خروج تدفقات ضخمة من الاستثمارات الأجنبية نتيجة الاضطرابات المتزايدة في القطاع العقاري التي أدت إلى تراجع ثقة المستثمرين.
آثار التداعيات
يبدو أن معظم المستثمرين لم يكترثوا بالأدلة المتزايدة على الصعوبات التي يواجهها المقترضون في السداد. فإلى جانب سلامة أوضاع أسواق الأسهم والسندات عموما، تحسنت الأوضاع المالية في ظل توقعات المستثمرين على ما يبدو بحدوث هبوط عالمي هادئ، أي احتواء التضخم بفضل ارتفاع أسعار فائدة البنوك المركزية دون التسبب في الركود.
لكن هذا التفاؤل يوجد مشكلتين: التيسير النسبي في الأوضاع المالية قد يؤدي إلى استمرار إذكاء التضخم، كما يمكن أن تزداد حدة تشديد أسعار الفائدة حال وقوع صدمات معاكسة، مثل تصعيد الحرب في أوكرانيا أو تفاقم الضغوط في سوق العقارات في الصين.
ومن شأن التشديد الحاد للأوضاع المالية أن يفرض ضغوطا على البنوك الضعيفة التي تعاني بالفعل مخاطر ائتمانية مرتفعة. وتشير مسوح من عدة بلدان بالفعل إلى تباطؤ الإقراض المصرفي، وهو ما تعزوه هذه المسوح أساسا إلى تزايد مخاطر المقترضين. ووفقا لأحد فصول "تقرير الاستقرار المالي العالمي" الذي يصدر قريبا، سيخسر عديد من البنوك نسبة ضخمة من رؤوس الأموال المساهمة، في إطار سيناريو يتوقع استمرار ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة وركود الاقتصاد العالمي. وسيبدأ المستثمرون والمودعون في مراقبة أوضاع البنوك من كثب حال تراجع رأسمالها في أسواق الأسهم دون قيمته في الميزانية العمومية، ما يوجد مشكلات تمويلية بالنسبة إلى البنوك الضعيفة. وخارج الجهاز المصرفي، تتضح أوجه الهشاشة في مؤسسات الوساطة المالية غير المصرفية أيضا، مثل صناديق التحوط وصناديق التقاعد، التي تطرح قروضها في الأسواق الخاصة. ومن دواعي الاطمئنان أن صناع السياسات بإمكانهم الحيلولة دون أي تطورات سلبية. وينبغي أن تظل البنوك المركزية عازمة على إعادة التضخم إلى المستوى المستهدف، فاستدامة النمو الاقتصادي والاستقرار المالي مرهونة باستقرار الأسعار. ومتى أصبح الاستقرار المالي مهددا، ينبغي أن يسارع صناع السياسات إلى استخدام أدوات دعم السيولة وغيرها، للتخفيف من الضغوط الحادة واستعادة ثقة الأسواق. ختاما، نظرا لأهمية سلامة البنوك بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، يتعين مواصلة العمل على تعزيز آليات التنظيم والرقابة في القطاع المالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي