القيادة الابتكارية .. الحلم والطموح

يشهد عالمنا اليوم كثيرا من التغيرات والتطورات السريعة في عديد من المجالات، خاصة مع ظهور التقنيات الإلكترونية الرقمية الحديثة والابتكارات النوعية المتعددة، وعالم التكنولوجيا المتطور الذي أصبح أثره مشاهدا في كثير من القطاعات، مثل قطاعات: الاقتصاد، الصحة، الدفاع والأمن، الطاقة، البيئة، وتركيبة المجتمعات وتنميتها بشكل عام، أضف إلى ذلك التحديات العالمية التي يواجهها العالم من وقت إلى آخر، مثل التغيرات المناخية بشتى أنواعها المختلفة، والأوبئة والأمراض الخطيرة، والفقر ومسبباته، والكوارث البيئية، مثل الفيضانات والزلازل والبراكين، وندرة المياه والجفاف وغيرها.

كل هذه التغيرات والتطورات والتحديات، تتطلب قيادات ابتكارية تكون قادرة على التكيف والإبداع والتطوير من أجل مواكبة تطورات هذا العصر وخوض المنافسات العالمية في ذلك. لذا سأتطرق في هذا المقال إلى تعريف القيادة الابتكارية وعلاقتها بالحلم والطموح وأنواعها وخصائصها المهمة، والدور الذي تلعبه في التحفيز والتطوير والنمو، وفي إيجاد البيئة الابتكارية التي تؤدي إلى زيادة الإنتاجية والكفاءة، وتعزيز الفرص والقدرة التنافسية المستدامة بأنواعها المختلفة الاقتصادية والدفاعية والأمنية والصحية والتعليمية والبيئية وغيرها.
القيادة الابتكارية هي أسلوب ونهج، يركز ويهدف إلى تحفيز الإبداع والتجديد وتلعب دورا حاسما في تحقيق النجاح، وتعد القوة الدافعة للتغيير والتقدم، وتطوير الحلول الابتكارية النوعية التي تلبي التحديات المستقبلية.

كما أنها تدعم الحلم والطموح وهما يعدان محركين قويين لتحقيق الأهداف، وذلك من خلال توجيههما نحو الواقع وتحويلهما إلى أفكار ومشاريع ملموسة. بشكل عام، يمكن القول إن القيادة الابتكارية هي التي تساعد على تحقيق الأهداف المرجوة في مختلف المجالات، من خلال إيجاد البيئة الملائمة لذلك، ومن خلال تمكين منسوبيها من التكيف مع التطورات والتغيرات السريعة، وتحفيزهم على الإبداع والتطوير لحلول جديدة مبتكرة وفعالة. والقادة الابتكاريون هم أولئك الذين يوجدون الفرص الجديدة، ولديهم القدرة على قيادة الآخرين للابتكار والتغيير، وهم من يشجع الأفكار الجديدة والتعليم المستمر والتفكير خارج المحيط أو ما يسمى خارج الصندوق.

وهم مستعدون دائما بكل ما هو جديد ومبتكر، ولديهم القدرة على إزالة جميع العقبات والحواجز التي تقف في سبل تحقيق الأحلام والطموحات، ويعملون على إيجاد بيئة تشجع على التفكير والتجربة وتقبل الفشل كجزء من العملية الابتكارية. ويعتمد تصنيف القادة الابتكاريون على معايير عدة، منها -على سبيل المثال- النمط القيادي، فهناك القادة الذين يشجعون على التفكير الإبداعي والابتكار، وتحفيز منسوبيهم على تقديم أفكار جديدة واستكشاف طرق مبتكرة لحل المشكلات، وهم ما يسمون قادة الفكر الإبداعي. وهناك قادة يتسمون بجرأتهم في تحمل المخاطر واستكشاف الفرص الجديدة، ويشجعون على تقديم الأفكار غير التقليدية ولديهم الاستعداد لخوض تجارب جديدة، وهؤلاء هم القادة الرياديون.

ومن المعايير أيضا تلك التي تعتمد على الصفات الشخصية، مثل أولئك الأشخاص القياديين الذين يمتلكون خيالا وإبداعا كبيرين، وفي الأغلب ما يكونون مصدر إلهام للآخرين، وهم يجمعون بين القدرة على التفكير الاستراتيجي والإبداع في صناعة القرارات، ومنهم أيضا ممن لديهم القدرة القوية على التواصل، ما يساعد على تبادل الأفكار وتشجيع الإبداع. في العموم يختلف التصنيف بحسب أسلوب القيادة ومجال العمل، فقد تجد منهم القادة الابتكاريين المخططين، الذين يقضون وقتا في التفكير والتخطيط قبل اتخاذ أي إجراء، أمثال جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون، الذي يقضي وقتا طويلا في التفكير والتخطيط قبل اتخاذ أي إجراء، أدى نهج بيزوس كمخطط إلى نمو "أمازون" لتصبح واحدة من أكبر الشركات في العالم.

ومن القادة أيضا الابتكاريون المتعاونون، الذين يشجعون الآخرين على المشاركة في عملية الابتكار، أمثال إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا وسبيس إكس، الذي يشجع الآخرين على المشاركة في عملية الابتكار، وأدى أسلوبه إلى تطوير عديد من المنتجات والتقنيات الجديدة التي أحدثت ثورة في قطاعات مختلفة، مثل السيارات الكهربائية، والفضاء. وأيضا هناك القادة الابتكاريون المبادرون، الذين يبحثون باستمرار عن فرص جديدة للابتكار، مثل بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، الذي يبحث باستمرار عن فرص جديدة للابتكار، وبهذا الأسلوب استطاع تطوير عديد من المنتجات والتقنيات الجديدة التي أسهمت في النمو الاقتصادي. وهناك القادة الابتكاريون الملهمون، وهناك الابتكاريون في مجالاتهم سواء كانت تعليمية أو تجارية أو مدنية أو دفاعية أو أمنية والأمثلة على ذلك كثيرة.
تعد القيادة الابتكارية مهمة لتحفيز النمو وتطوير الاقتصاد في مختلف دول العالم، وفي السعودية، هناك اهتمام كبير بذلك كجزء من رؤيتها 2030، وكوسيلة من الوسائل لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، ويظهر ذلك من خلال إنشاء الهيئات الوطنية في الابتكار، مثل: هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، والهيئة العامة للتطوير الدفاعي والمدن، والمراكز البحثية التطويرية.

ومن خلال إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة، مثل: "نيوم"، و"مدينة الملك عبدالله الاقتصادية"، لتعزيز الابتكار وجذب الاستثمارات الوطنية والدولية، وأيضا من خلال تعزيز التعاون مع الشركات والمؤسسات الخاصة لتعزيز الابتكار وتطوير الصناعات المحلية، ومن خلال تطوير بيئة تشجع على ريادة الأعمال وتوفير دعم للشركات الناشئة والمبتكرة، وبتوفير الدعم المالي، والبنية التحتية المناسبة، إضافة إلى ذلك، إطلاقها عديدا من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز القيادة الابتكارية بشكل عام. وأرى أن هذا الاهتمام بالقيادات الابتكارية، حقق عديدا من الإنجازات التي يحق لنا أن نفخر بها، فقد أصبحنا ضمن أفضل 50 دولة على مستوى العالم، حسب المؤشر العالمي للابتكار لهذا العام، ومن خلال ذلك سنحقق أعظم قصة نجاح في القرن الـ21، وفق ما صرح به ولي العهد، في آخر مقابلة مرئية له مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية في 21 سبتمبر، فوجودها له الأثر الكبير في نهوض الاقتصاد بشكل مستدام والسيادة والريادة العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي