الصفقة المدنية المعطلة في أمريكا «2 من 2»
العامل الثالث كان تأثير ثورة الرئيس ريجان، في الدولار وأسعار الفائدة، سببا في إطلاق العنان لعملية تفكيك مجمعات التصنيع والهندسة والإنتاج القيمة في الغرب الأوسط الأمريكي، التي كانت مدفوعة بالسوق. ورابعا، لم تحدث أي إعادة معايرة للمجتمع الأمريكي. بل على العكس من ذلك، تسببت فجوات التفاوت المتزايدة الاتساع في الثروة والخطاب الغالب في ذلك الوقت في جعل أصحاب الثراء الفاحش أشد عداوة وشراسة، وكل الفئات غيرهم أشد حسدا واستياء ومرارة. من ناحية أخرى، كان مهندسو ثورة ريجان، ينسبون إلى أنفسهم الفضل في الخاتمة الناجحة التي انتهت إليها الحرب الباردة، حتى رغم أنهم كانوا مجرد متفرجين متعاطفين.
كان هذا هو السياق الذي شهد فوز بيل كلينتون بالانتخابات الرئاسية في 1992. وعندما وصلنا -نحن العاملين في الإدارة الجديدة- إلى واشنطن العاصمة في أوائل 1993، كنا نتوقع أننا سنلتقي جمهوريين متحمسين وراغبين في تولي ذلك النوع من إعادة النظر، الذي تعهده الحزب الديمقراطي ذاته في سبعينيات القرن الـ20 بعد انهيار نظام الصفقة الجديدة الذي دام منذ نهاية الحرب. عندما لم يحدث ذلك، علقنا آمالنا على فكرة مفادها أن ثمانية أعوام من سياسات كلينتون ـ جور ـ التي وصفت بأنها "نيوليبرالية يسارية"، أو "ذئاب الصفقة الجديدة في هيئة حملان النيوليبرالية"، أو أي مزيج آخر من القديم والجديد ـ ستكون ناجحة في فرض الأمر. لكن ذلك لم يحدث أيضا.
ثم فاز جورج دبليو بوش بالانتخابات الرئاسية عام 2000 بأغلبية خمسة أصوات مقابل أربعة أصوات في المحكمة العليا، حيث لم يبد القضاة المعينون من قبل الجمهوريين في الأغلبية أي تحفظ بشأن حسم الانتخابات لمصلحة المرشح الذي حصل على عدد أقل من الأصوات الإجمالية.
وفي 2009، تكررت الدورة ذاتها. فقد توقع الديمقراطيون الذين وصلوا إلى واشنطن لشغل وظائف إدارة أوباما أن يلتقوا جمهوريين متلهفين وراغبين في تولي ذلك النوع من إعادة النظر الذي تعهده الحزب الديمقراطي في سبعينيات القرن الـ20، لكن ذلك لم يحدث. رغم ذلك، لاحق أوباما أجندة يمكن وصفها بأنها أجندة جورج بوش الأب، في السياسة الخارجية مقترنة بسياسة جون ماكين، المناخية، وسياسة مت رومني، في مجال الرعاية الصحية، وإصلاحات مالية متواضعة، وجولة أخرى من التقشف، بما في ذلك التهديد باستخدام حق النقض ضد أي زيادات في الإنفاق يقترحها الديمقراطيون في الكونجرس.
لكن كيف كانت استجابة الجمهوريين؟ بمضاعفة حدة نبرتهم الخطابية لإثارة الازدراء والخوف من أصحاب البشرة السمراء، و"النسويين النازيين"، والمثليين، والمكسيكيين، وأساتذة الجامعات والأنماط المماثلة من الأذكياء، وكل من أصاب الثراء بطرق غير أخلاقية.
أخشى أن مانفيل وأوبر كانا على حق بشأن العوامل اللازمة لتمكين الديمقراطيات من البقاء. نحن في احتياج إلى صفقة مدنية، حيث يتعامل الجميع مع بعضهم بعضا على النحو الذي ينتهجه أغلب الديمقراطيين، كأصدقاء مدنيين. هذا يعني أنك حتى لو كنت تعتقد أن أعضاء الحزب الآخر مضللون، فستظل تنظر إليهم باعتبارهم ركابا على القارب ذاته "أو يسبحون في المياه ذاتها العامرة بحطام السفينة، حسب الأحوال".
تتلخص مشكلة أمريكا الآن في أن الجمهوريين جعلوا هذا في حكم المستحيل على أنفسهم. وتعزيز مثل هذه الحساسية من شأنه أن يقوض البيئة الفاسدة التي ظل الحزب منغمسا فيها لأعوام عديدة. تعتمد هذه البيئة على إبقاء الناس محافظهم مفتوحة وأعينهم ملتصقة بالشاشات، حيث يتلقون جرعة ثابتة من الخوف والكراهية تجاه مواطنيهم. ومن السباقات على مستوى الولايات وصولا إلى المحكمة العليا، يوجد ببساطة على المحك قدر من الأموال أعظم من أن يسمح بتسوية نقاط الخلاف عن طريق التنازلات المتبادلة.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.