النمو يخفض الديون العالمية

تسببت أزمة كورونا في رفع إجمالي الديون العالمية بأكبر وتيرة على الإطلاق خلال 2020، حيث وصلت إلى 226 تريليون دولار، وهو ما يمثل نسبة 258 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. أما بالقيم المطلقة فقد نما الدين العالمي خلال 2020 بنحو 29 تريليون دولار مقارنة بالعام السابق، وهو مبلغ هائل ساعد على تخطي الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نتجت عن الجائحة وإعادة النمو الاقتصادي في العامين التاليين، وخفض بذلك نسب الديون إلى إجمالي الناتج المحلي العالمي. وتراجع إجمالي الديون العالمية في عامي 2021 و2022 بـ20 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي العالمي إلى 238 في المائة، حيث قدرت عند نهاية 2022 بنحو 235 تريليون دولار.
انخفضت الديون الحكومية خلال العامين الماضيين بثماني نقاط مئوية إلى 92 في المائة من الناتج المحلي العالمي، بينما أسهم انخفاض الديون الخاصة للأسر والشركات غير المالية بأكبر قدر من تراجع الديون العالمية، حيث انخفضت 12 نقطة مئوية خلال الفترة إلى 146 في المائة من الناتج المحلي العالمي في 2022. رغم تراجع الدين العالمي خلال العامين الماضيين إلا أنه لا يزال فوق نسب ما قبل الجائحة بنحو 9 في المائة من الناتج المحلي العالمي. يرجع معظم ذلك إلى بقاء نسب الديون الحكومية فوق نسبها إلى الناتج قبل الجائحة. وقفزت الديون العامة بنحو 15.5 في المائة من الناتج المحلي أثناء الجائحة بسبب برامج الدعم الضخمة التي ضختها الدول لتجنب السقوط في كساد اقتصاد عالمي.
أما على مستويات مجموعات الدول فتراجع إجمالي ديون الدول المتقدمة 12 في المائة من نواتجها المحلية إلى 278 في المائة في 2022. وتسارع انخفاض ديون هذه الدول الخاصة بسبب سياسات التشدد النقدي ورفع معدلات الفائدة، حيث بلغت العام الماضي نحو 164 في المائة من نواتجها المحلية الإجمالية، وهي نسبة قريبة من نظيرتها قبل الجائحة. أما الديون العامة فانخفضت إلى نحو 114 في المائة من الناتج المحلي، ولكنها ما زالت فوق نسب ما قبل الجائحة بنحو ثماني نقاط مئوية.
تراجعت ديون الدول الصاعدة العام الماضي بنحو ثماني نقاط مئوية من نواتجها المحلية الإجمالية، ولكنها ما زالت فوق نسب ما قبل الجائحة. وقد كان لانخفاض الديون الخاصة الأثر الأكبر في تراجع إجمالي ديونها، حيث انخفضت إلى 69 في المائة من نواتجها المحلية في 2022 أما الديون العامة فما زالت فوق نسب ما قبل الجائحة، حيث وصلت إلى 55 في المائة من نواتجها المحلية للعام نفسه.
ارتفعت ديون الصين العام الماضي إلى نحو 272 في المائة من ناتجها المحلي. وعلى النقيض من باقي الدول واصل الدين العام الصيني نموه خلال العامين الماضيين إلى 77 في المائة من ناتجها المحلي في 2022. أما الديون الخاصة فارتفعت إلى 195 في المائة من ناتجها المحلي، وهي الأعلى للديون الخاصة على مستوى العالم. وعموما ارتفع إجمالي الديون الصينية في 2022 بنحو ربع ناتجها المحلي عن نسب ما قبل الجائحة.
تشير البيانات التاريخية إلى أن إجمالي الديون العالمية يسير نحو الارتفاع منذ عدة عقود. وتصاعدت الديون بشكل أقوى في الصين وإلى حد أقل في الدول الصاعدة خلال العقود الأخيرة. وتضاعفت الديون الحكومية منذ سبعينيات القرن الماضي نحو ثلاث مرات، أما إجمالي الديون الخاصة فقد ارتفع ولكن على فترة زمنية أطول. وتضاعف إجمالي الديون الخاصة العالمية بنحو ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال العقود الستة الماضية. وأسهمت الصين بدرجة ملحوظة في رفع الديون العالمية خلال الفترة الأخيرة، حيث كانت ديونها بحدود 73 في المائة من ناتجها المحلي في 1986، ولكنها قفزت إلى 272 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي العام الماضي، لتقارب نسب الديون الأمريكية. وبلغ إجمالي الديون الصينية العام الماضي نحو 47.5 تريليون دولار، أما الولايات المتحدة فوصل إجمالي ديونها إلى نحو 70 تريليون دولار. من جانب آخر تحتل اليابان رأس قائمة الدول المتقدمة الأعلى ديونا في العالم بنحو أربعة أضعاف ونصف ناتجها المحلي الإجمالي، كما أن لديها أكبر ديون حكومية تتجاوز ضعفين ونصف الضعف من ناتجها المحلي.
يلاحظ على الديون العالمية الخاصة والعامة أنها ترتفع في الدول المتقدمة أكثر من الدول النامية. ويعود جزء كبير من هذا إلى تطور وضخامة الأسواق المالية والقطاعات المصرفية وقنوات الاستثمار في هذه الدول. ويسهم تنامي الائتمان وتوافره بدور فعال في تطور الدول ونموها، حيث يساعد على توفير المتطلبات المالية للمستثمرين والمستهلكين على حد سواء ما يحفز النشاط الاقتصادي ويضخ الاستثمارات ويساعد على تخطي الأزمات الخاصة والعامة. أما بالنسبة إلى الأفراد فإن ديون الأغنياء عبر العالم أعلى بكثير من ديون الفقراء، حيث يستغل الأغنياء ملاءتهم المالية للحصول على الموارد المالية واستثمارها لتحقيق مكاسب أكبر من تكاليف استدانتها. في الجانب المقابل فإن الديون هي أصول للمؤسسات المالية وكثير من الشركات والمؤسسات والأفراد، وتضخمها يمثل تضخما لثروات ملاكها. ولهذا فإن ارتفاع ملكية الديون في دولة ما هو مؤشر على تضخم الثروات فيها.
هنا ينبغي الإشارة إلى أن السياسات النقدية المتساهلة بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، وانخفاض الفائدة وتكاليف الاقتراض، ووفرة السيولة أسهمت في تحفيز نمو الديون العالمية. أما معدلات التضخم المرتفعة أخيرا فقد قلصت نسب الديون القائمة من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى ذلك ثبط التشدد النقدي الأخير الاقتراض ما أسهم في خفض نسب الديون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي