حول الحديث عن المتأخرين عن الركب في المنطقة فالسؤال المطروح هنا: لماذا تأخرت الدول غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي عن الركب فيما يتعلق بالتجارة البينية في المنطقة؟ يرجع ذلك جزئيا إلى إخفاق اتفاقيات التجارة "والاستثمار" الإقليمية المتعددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فقد ظلت حصة الصادرات داخل المجموعة في المنطقة العربية، ما عدا دول مجلس التعاون الخليجي، أقل من 2 في المائة من تدفقاتها التجارية، وهو ما يوضح جزئيا التشتت الإقليمي والعنف والحروب منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وعقب الربيع العربي في 2011. وتضم المنطقة مجموعة من الدول التي توجد بينها خلافات سياسية كبيرة، وهو ما ينعكس في أنماط التجارة أيضا. فعلى سبيل المثال، تبنت دول المغرب العربي في شمال إفريقيا توجها نحو أوروبا، من خلال برنامج الشراكة الأورومتوسطية والاتفاقات المنبثقة عنه الداعمة لهذه الروابط.
من العوامل المساهمة في ركود التجارة البينية في المنطقة عدم كفاية نمو تجارة الخدمات. فقد تراوح حجم تجارة الخدمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين 4 و6 في المائة من حجم التجارة العالمية في الخدمات في العقدين الماضيين. وتتضاءل هذه النسبة عند مقارنتها بمثيلتها في دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، التي تسهم بأكثر من ثلثي التجارة العالمية في الخدمات. وداخل المنطقة، تسهم دول مجلس التعاون الخليجي بالنصيب الأكبر في تجارة الخدمات، وكانت أكبر المساهمات في القطاعات ذات القيمة المضافة المنخفضة نسبيا مثل السفر "والسياحة" والنقل. وتتمثل معوقات تجارة الخدمات في السياسات التقييدية التي تحد من الدخول إلى القطاعات التي تهيمن عليها المؤسسات المملوكة للدولة، مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية، أو التي تفرض رسوما عالية وتضع شروطا لإصدار التراخيص، ولا سيما الخدمات المهنية وخدمات النقل.
هذه السياسات التقييدية، إلى جانب مواطن القصور الهيكلية، تعوق التجارة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سواء داخل المنطقة أو على مستوى العالم.
تطبق دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تدابير غير جمركية أكثر وأشد تقييدا مقارنة بأي منطقة أخرى. فقد ازدادت هذه التدابير بمقدار الضعف تقريبا بين عامي 2000 و2020. ويؤدي الافتقار إلى المعايير الموحدة والتنسيق، وانتشار البيروقراطية والفساد إلى تفاقم آثار هذه الحواجز. ومن الحواجز التي تعوق ممارسة الأعمال والاستثمار الإجراءات المرهقة لإصدار التراخيص، واللوائح المعقدة، والإجراءات غير الواضحة المتعلقة بالمشتريات وتقديم العطاءات.
منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضعيفة الأداء فيما يتعلق بتدابير تيسير التجارة لتسهيل حركة البضائع على الحدود وخفض تكاليف التجارة الكلية، رغم وجود تفاوتات كبيرة عبر المنطقة. ومستوى جودة البنية التحتية المرتبطة بالتجارة والنقل منخفض إلى حد كبير في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وعلاوة على ذلك، يؤدي التأخير في الميناء إلى زيادة "مدة بقاء البضائع في الجمارك" "فترات تأخير تزيد على 12 يوما" بالنسبة إلى البضائع المستوردة في بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويبلغ متوسط فترات التأخير في الجزائر وتونس نحو 20 يوما مقابل أقل من خمسة أيام في الإمارات "ضمن المراكز الأولى الثلاثة على مستوى العالم"... يتبع.
