العمل الصالح
شاهدت مقطعا يصور جهود أهالي قرية من الفقراء يعملون في سبيل بناء مسجد في قريتهم. القرية فقيرة ولا يوجد لدى السكان وسائل البذل المادية، وكل ما يملكونه هو قدرتهم الشخصية والبدنية التي استغلوها في رفع مواد البناء إلى أعلى الجبل في موقع ناء كثير الالتفاف والمنحدرات.
بدا على الجميع السرور والابتسامات تشق وجوههم، فربات البيوت والأبناء والآباء يحملون المواد ويسيرون في طريق غير معبد ويصعدون الجبل لتحقيق أمنيتهم في مسجد يلم شتاتهم، يجتمعون فيه مقرا للحياة ومركزا للعمل لرضا الله سبحانه وتعالى.
أزعم أن هذا المسجد سيكون عامرا أكثر من كثير من الجوامع الأسمنتية التي تصطف على شوارع كثير من المدن في العالم الإسلامي، كونه آتيا بجهود مخلصة، ومن محبين لرمزية المسجد وأهميته. سيجمع هذا المسجد القلوب ويتعلم فيه الكبار والصغار، سيكون منارة للجميع.
حب البذل في سبيل الله ليس محصورا في بذل المال، فكل جهد يبذل فكرا أو مالا أو جسدا مشكور من الله سبحانه وتعالى، وأجزم أن أجر أولئك الذين لا يجدون ما ينفقون سوى الحمل على ظهورهم والسير في ضيق الطرقات للوصول للأعلى سيكون وافرا من ربهم الخالق ليكون الإسلام الدين الأكثر انتشارا، فالتعامل مع الله ورجاء ما عنده هو ديدن المسلمين.
علمتني هذه القرية درسا مهما في عظمة هذا الدين، وكيف يتوارثه الصغار عن الكبار، فالأمهات وهن يحملن أطفالهن على ظهورهن يبنين في الواقع المجتمع من الأسفل، فذاك الطفل سيغدو الولد الصغير الذي يحمل مع أمه طوبة، وهو الشاب الذي يعمل في البناء مع أبيه، كل هؤلاء هم نتاج التربية الإسلامية التي تشبعت بها القلوب فظهرت على شكل ابتسامات تشق الوجوه رغم التعب ومشقة الطريق.
لعل ما يفعله هؤلاء هو من قبيل الحاجة في قريتهم، وقد يحتاج آخرون أمورا ومتطلبات مختلفة، ولكل بيئة ومجموعة أماني وحاجات ورغبات تنكشف لتحفز المجتمع على البناء سواء كان لدور المحتاجين أو مطابخ الفقراء أو مدارس تنشر العلم بين الأبناء، وحيث لا يستطيع أحد أن يحقق أمنيات الناس، سيعمل البسطاء لتحقيقها بالابتسامات والمحبة.