اقتصاد البحر وقوة النمو

تعد مؤشرات اقتصاد الصناعة البحرية أحد أهم القطاعات على المستويين الدولي والوطني، وقد أثبتت الأحداث التي أعقبت جائحة كورونا مدى الحاجة إلى هذا القطاع، ولم يكن في المتصور عند أي ظرف أن تسبب الحاويات التي تنقلها السفن مشكلة، ذلك أنه كان يعتقد لوقت قريب أنها جزء لا يتجزأ من السفينة، لكن بعد الجائحة كان هناك كثير من السفن الجاثمة في الموانئ وقتا طويلا، ومع ذلك فلم يكن بمقدورها نقل البضائع.
لقد قامت السفن مع انتشار الجائحة وتوقف العمال عن العمل بترك الحاويات في موانئ الوصول وعادت خاوية، وعندما عاد الجميع للعمل لم يكن هناك ما يكفي منها، فتعطلت سلاسل الإمداد وارتفعت أسعار الحاويات بصورة غير متوقعة ومفاجئة، وتبين حينها أن مفهوم سلاسل الإمداد والنقل البحري وصناعته المرتبطة أعقد بكثير مما كنا نعتقد. فهذا القطاع متنوع ومعقد يشمل مجموعة واسعة من الأنشطة والصناعات منها صناعة النقل البحري التي من بينها صناعة الحاويات، والسفن وصيانتها، وكذلك صناعة الصيد التجاري والتنقيب عن النفط والغاز البحري، ومجموعة متنوعة من الأنشطة الأخرى التي تدعم التشغيل الآمن والفعال للسفن والمعدات في البيئة البحرية. وإذا كان هذا القطاع بكل فروعه المسؤول عن نقل ما يزيد على 90 في المائة من التجارة في العالم، بدءا بالغذاء والدواء وانتهاء بالطاقة، فإننا نتحدث بذلك عن عصب الاقتصاد العالمي، الذي لو تعرض لأي طارئ فإن الاقتصاد العالمي قد يصاب بالشلل.
وتعمل المنظمة البحرية الدولية IMO، وهي وكالة مختصة تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن سلامة وأمن النقل البحري ومنع التلوث البحري والجوي عن طريق السفن، على دعم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، ولا شك أن العالم بحاجة إلى توازن بين النظر إلى أهمية هذا القطاع ودوره الواضح في تحقيق الاستدامة، فهو من جانب يسهم في مكافحة الفقر من جانبين الأول في استدامة الإمدادات الغذائية والدوائية، والآخر في التوظيف، إذ نشرت صحيفة "الاقتصادية" تقريرا أشار إلى أن أغلب الشحنات في العالم يتم نقلها عبر البحر، بأسطول ضخم يقارب 100 ألف سفينة شحن بحري وهذا يتطلب يدا عاملة تتجاوز 1.8 مليون بحار في العالم، زيادة على أكثر من 20 مليون عامل في وظائف تحوم في فلك هذه الصناعة، كعمال الشواطئ والموانئ والمهندسين البحريين وأطقم الشحن وغيرهم، وهذا في مجال واحد من هذا القطاع الضخم وهو مجال النقل البحري، فإذا أضفنا إلى ذلك مجالات إصلاح وبناء السفن، الصيد بكل أنواعه، وما يتعلق بالوظائف غير المباشرة ذات الصلة، فإن قدرة هذا القطاع على مكافحة الفقر وتوفير الوظائف تمثل ركيزة مهمة استندت إليها دول نامية مثل فيتنام، التي أصبحت بفضل هذه الصناعة بمنزلة "صين صغرى" في جنوب شرق آسيا فهي صاحبة 100 ميناء على سواحلها الطويلة، مع ما يقارب 20 حوضا لبناء السفن، وأياد عاملة محترفة ورخيصة، وأصبحت الفلبين أيضا أحد أكبر مصنعي السفن في العالم، حيث أسهمت بنسبة 1.06 في المائة من الإنتاج العالمي لـ2021، فهذه الصناعة البحرية تعد مصدرا رئيسا للتوظيف في عديد من المجتمعات الساحلية، خاصة في البلدان النامية.
وفي سياق دعم استدامة القطاع وتعزيز نمو الاقتصاد العالمي، تعمل المنظمة البحرية الدولية على تطوير استراتيجية بشأن حماية البيئة بهدف الوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2050 وتلك مستهدفات محددة للأعوام المقبلة، لكن تحقيق هذه الاستراتيجية يتطلب أن تخضع الصناعة لشبكة من اللوائح والقوانين، بل إن الطريق نحو تحقيق ذلك كله يأتي من خلال تطوير التكنولوجيا وتعزيز الابتكار لتحسين الكفاءة، والحد من التأثير البيئي، وتعزيز التنمية المستدامة.
وعموما، تعد الصناعة البحرية قطاعا حيويا وديناميكيا يلعب دورا حاسما في الاقتصاد العالمي وصحة محيطاتنا. ومن خلال تبني التقنيات الحديثة، وتعزيز الممارسات المستدامة، ومعالجة التحديات التي تواجهها، كما يمكن للصناعة البحرية أن تستمر في الازدهار ودعم رفاهية المجتمعات الساحلية والنظم البيئية في جميع أنحاء العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي