هل نخضع المهنيين لمعايير الجودة؟
المنتجات المادية، سواء كانت مرتبطة بالاحتياجات الأساسية، كالمأكل، والمشرب، والملابس، أو مرتبطة بما يمكن وصفه بين الكماليات، والأشياء الأساسية، أو ما هو متعارف على أنه كماليات توجد لها مواصفات تبين مستوى جودتها، وهل هي مناسبة للاستهلاك، أو الاستخدام الآدمي أم لا، وذلك حرصا على صحة الناس وحياتهم، إذ لا يمكن قبول طعام ملوث بالمبيدات، أو دواء يوجد في تركيبته الكيميائية عنصر يسبب مرضا، لذا سعت كثير من دول العالم إلى إيجاد هيئات مختصة تعرف بهيئات المواصفات، والمقاييس مهمتها وضع القواعد التي يتم بموجبها فحص البضائع المنتجة محليا، أو مستوردة لمعرفة مناسبتها للاستهلاك والاستخدام.
لدينا في المملكة هيئة المواصفات والمقاييس، وهيئة الغذاء والدواء وهما معنيتان بوضع المواصفات اللازمة للسماح بفسح البضاعة والترخيص لترويجها، واستخدامها في السوق المحلية بناء على فحص مخبري، أو عملي لكشف العيوب، أو عدم توافقها مع المواصفات المحددة، لذا نجد الجهات المعنية تعلن بين فينة، وأخرى سحب بضاعة من البضائع من السوق، أو التحذير من استخدام منتج من المنتجات، كدواء أطفال، أو جهاز كهربائي لخطورته على صحة وحياة الإنسان.
بعض البضائع تحتاج إلى معرفة قيمتها وجودتها خبرة متناهية للحكم عليها، فبعض الساعات أو المجوهرات أو السجاد الأصلي لا يمكن لأي أحد أن يحكم عليها، بل إن خبراء المهنة هم المخولون لذلك، فمثلا شيخ الصاغة، أو شيخ الأنسجة، والسجاد هما القادران على كشف الغش الذي يوجد في البضاعة، فالذهب توجد له مستويات معايير معروفة في الأسواق منها 18، 21، 24 وهذه لا يمكن افتراض التمييز بينها من كل أحد.
المخرجات البشرية المتمثلة في القوى البشرية العاملة في المجالات كافة تخضع في بعض الجهات لإجراءات فرز، وتمحيص للتأكد من مهنيتها ومهاراتها ومناسبتها للمجال الذي تتقدم للعمل فيه، فعلى سبيل المثال لا الحصر، من يتقدم للعمل في الجامعة يلزم بإحضار ما يثبت معادلة شهادته للتأكد من تخرجه من جامعة تنطبق عليها المعايير المحددة من قبل، كما تطلب بعض الأقسام إجراء مقابلة شخصية، وتقديم عرض في موضوع من موضوعات التخصص إن كان سيعمل عضو هيئة تدريس، وكذلك العاملون في القطاع الصحي يخضعون لإجراءات التثبت من مناسبة المتقدم للمهنة المتقدم لها، ويضاف لما سبق اختبار الكفاية المهنية للمعلمين الذي تطبقه وزارة التعليم.
ما سبق ما هو إلا أمثلة بسيطة على بعض السلع والمهن والإجراءات المتخذة للتأكد من جودتها وكفاءتها وتحقق الخصائص المطلوبة فيها، إلا أن المهن لم تعد محدودة، بل تتوالد بشكل متسارع، وتتفرع بشكل دقيق، فالحاسب الآلي على سبيل المثال توجد فيه برمجة وشبكات وأمن سيبراني وذكاء اصطناعي، وهذا يستوجب مسايرة التغيرات بالإيقاع نفسه، وإخضاع العاملين في كل المجالات للإجراءات، والشروط لضمان كفاءتهم، وتوافر مهارات المهنة لديهم، بدلا من ترك الميدان مشرعا لكل أحد لممارسة مهنة ما دون التثبت من تخصصه.
وأقترح في هذا الصدد إخضاع العاملين في المجال التقني كالكهربائيين، والميكانيكيين لمعايير الشهادة، والتطبيق العملي قبل منحه رخصة العمل في الميدان لتفادي تحول السوق إلى ورشة مفتوحة يتعلم بها كل من لا صنعة لديه، ما يضر بالاقتصاد الوطني واقتصادات الأفراد.