بعد سيطرة أذربيجان على ناغورني قره باغ .. السكان يتجهون إلى أرمينيا
وصل مئات اللاجئين الفارين من ناغورني قره باغ اليوم إلى أرمينيا التي انتقدت بشكل ضمني روسيا لعدم تقديمها الدعم لها إثر انتصار الجيش الأذربيجاني على الانفصاليين في هذا الإقليم الذي يضم غالبية أرمينية.
وعد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان تحالفات بلاده الحالية غير مجدية، قائلا في كلمة متلفزة: "إن أنظمة الأمن الخارجي التي تنضوي فيها أرمينيا أثبتت أنها غير مجدية لحماية أمنها ومصالحها".
وأضاف: "لم تتخل أرمينيا يوما عن التزاماتها ولم تخن حلفاءها. لكن تحليل الوضع يظهر أن الأنظمة الأمنية والحلفاء الذين نعتمد عليهم منذ فترة طويلة حددوا لأنفسهم مهمة إظهار ضعفنا وعدم قدرة الشعب الأرميني على أن تكون له دولة مستقلة".
وينطوي كلامه على إشارة ضمنية إلى علاقاته الطويلة الأمد مع موسكو الموروثة منذ كانت أرمينيا جزءا من الاتحاد السوفياتي مثل أذربيجان المجاورة، خصوصا أن أرمينيا لا تزال عضوا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي وهي تحالف عسكري ترأسه روسيا.
في يريفان، تظاهرت المعارضة لليوم السادس تواليا، متهمة رئيس الوزراء بالقضاء عمدا على علاقات أرمينيا مع شركائها، وفق ما قال المعارض اندرانيك تيفانيان أمام الحشود مساء الأحد.
في دليل على الأثر الدولي القوي الذي تتركه هذه الأزمة الجديدة، يلتقي الرئيس التركي رجب أردوغان نظيره الأذربيجاني إلهام علييف غدا في منطقة ناخيتشيفان الأذرية الواقعة بين أرمينيا وإيران والمتاخمة لتركيا. ويعتزم الزعيمان حضور مراسم وضع حجر الأساس لخط أنابيب غاز جديد وافتتاح مجمع عسكري أذربيجاني.
كما يلتقي رئيس الوزراء الأرميني والرئيس الأذربيجاني الشهر المقبل في جنوب إسبانيا بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
مواكبة الكتيبة الروسية
بعد ظهر أمس دخلت مجموعة أولى من اللاجئين الفارين من ناغورني قره باغ، أرمينيا. ووصل بضع عشرات من سكان هذه المنطقة، معظمهم نساء وأطفال ومسنون، إلى مركز إيواء أقامته الحكومة الأرمينية في كورنيدزور على الحدود الأرمنية - الأذربيجانية. بحسب الحكومة الأرمنية مساء الأحد، فإن 377 شخصا أرغموا على الرحيل انتقلوا إلى الجانب الأرمني.
واستنادا إلى آخر حصيلة لوزارة الدفاع الروسية فإن 311 مدنيا بينهم 102 من الأطفال واكبتهم قوة حفظ السلام الروسية من الجانب الأرمني. وأضافت أن كتيبة حفظ السلام الروسية تؤكد أنها تواصل إيواء 715 مدنيا بينهم 402 طفل في انتظار حل.
وقال بعض اللاجئين لوكالة فرانس برس إنهم أتوا من قرية ايغتساهوغ الحدودية، فيما أورد آخرون أنهم عبروا مسافات طويلة في هذه المنطقة الجبلية من القوقاز.
وأفادت السلطات الأرمينية في ناغورني قره باغ بأن المدنيين الذين شردتهم أعمال العنف الأخيرة سينقلون إلى أرمينيا بمساعدة جنود حفظ السلام الروس المنتشرين منذ الحرب السابقة في 2020.
وتعهدت أذربيجان السماح للمقاتلين الانفصاليين الذين يسلمون سلاحهم بالمغادرة الى أرمينيا. وأعلنت الداخلية الأذربيجانية أنها ستنظم قوافل تضم حافلات للمقاتلين السابقين، لافتة الى أن بعضهم يستطيع أيضا المغادرة في سيارات.
وعبر هذه النقطة الحدودية نفسها في كورنيدزور ستمر 23 سيارة إسعاف لنقل مواطنين مصابين بجروح بالغة برفقة أطباء وموظفين في الصليب الأحمر كما أوضحت وزارة الصحة الأرمينية.
مخاوف الفرار الجماعي
وقال رجل إنه كان ينتمي إلى المقاومة الانفصالية حتى أجبر هجوم أذربيجان الانفصاليين الاربعاء الماضي على الاستسلام. وأورد هذا القروي الثلاثيني الذي كان ينتظر مع آخرين تسجيل أسمائهم في المركز الإنساني الذي أقيم في كورنيدزور: "عائلاتنا كانت في الملاجئ. كنا في الجيش لكننا اضطرنا أمس إلى تسليم سلاحنا".
في السياق، يخشى كثيرون أن يفر السكان المحليون بشكل جماعي، في وقت تشدد القوات الأذربيجانية قبضتها، لأنه إضافة إلى القلق السائد بين سكان ناغورني قره باغ البالغ عددهم 120 ألفا، فإن الوضع الإنساني لا يزال متوترا جدا هناك.
وقال صحفي من الميدان إن عاصمة الإقليم سيتباناكيرت المطوقة من القوات الأذربيجانية، محرومة من الكهرباء والوقود وسكانها تنقصهم المواد الغذائية والأدوية. السبت دخلت أول قافلة مساعدات دولية إلى ناغورني قره باغ حيث عرض الجيش الأذربيجاني أمام صحافيين مئات الأسلحة التي صادرها من الانفصاليين، على مرتفعات العاصمة ستيباناكيرت.
من جهتها، طالبت أرمينيا من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك بإرسال بعثة للأمم المتحدة فورا إلى المنطقة.
في المواقف، أعرب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مساء الأحد عن قلقه من هجوم عسكري محتمل لأذربيجان على أرمينيا، مؤكدا أن باكو تهدد الحدود المشتركة ووحدة أراضي البلد.وقال ماكرون في مقابلة متلفزة إن فرنسا حريصة جدا على وحدة أراضي أرمينيا فهذا هو المحك.
حشود غاضبة
من جانب آخر، لا يزال التوتر شديدا على المعبر الحدودي في كورنيدزور حيث يحاول عشرات الأرمينين الغاضبين الحصول على أخبار عن عائلاتهم.
وتسري شائعات بين الحشود إلى حد أن رجلا قام بسحب سكينه. وقال رجل يبلغ 43 عاما: "كان ابني في الجيش في ناغورني كاراباخ. هو على قيد الحياة لكني قلق عليه".
وأضاف أنه يأمل بأن تعبر جماعات مسلحة الحدود. وقال "إذا فعلوا ذلك، سأذهب معهم لإنقاذ ابني".
وضمت السلطة السوفياتية هذا الجيب الجبلي إلى أذربيجان عام 1921 والذي كان في الماضي مسرحا لحربين: واحدة في 1988 حتى 1994 (30 ألف قتيل) والأخرى في خريف 2020 (6500 قتيل).
تدل على ذلك، على الجانب الأذربيجاني، آثار عميقة ناجمة عن تاريخ المنطقة، تحديدا في مدينة بيلاغان القريبة جدا من ناغورني قره باغ، حيث تعرض عشرات الصور لأشخاص قتلوا قبل ثلاثة أعوام أو خلال الحرب الأولى وسط أعلام أذربيجانية.
وقال فاميل زالوف وهو مزارع خمسيني: "أنا أدعم العملية الجارية التي تقوم بها باكو للسيطرة على المنطقة لقد تم تحرير أرضنا الجميلة".
ولدت مينايا فالييفا عام 1951 وقالت: "إذا حفرت تربة هذه الجبال ستجد أشياء، سترة جدنا الصوفية، ستجد أمشاط جدتنا". لكن يبدو أن الحرب لا تحظى بإجماع في أذربيجان.
وذكرت الناشطة الأذربيجانية في مجال حقوق الإنسان جالا بيراموفا على منصة أكس: "هذا الأسبوع، أوقِف خمسة أشخاص في أذربيجان بسبب رسائل مناهضة للحرب وأربعة آخرين بسبب نشاطهم السياسي".
وقالت: "الجميع حكم عليهم بعقوبات تراوح بين السجن 30 يوما إلى شهرين من الحجز الاحتياطي".