الصين تنزع فتيل قنبلة ديونها الموقوتة .. و"العد التنازلي" لانفجارها في أمريكا يتسارع
لطالما خيمت المخاوف بشأن ديون الصين المحلية على الخطاب الدولي، حيث يعتبر جبل الديون المخفية "قنبلة موقوتة" قد تؤدي إلى سلسلة من حالات التعثر المالي وتهدد الاستقرار المالي بشكل عام.
لكن، بحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست"، يرى بعض الخبراء الآن أن حملة إعادة هيكلة الديون الواسعة في الصين بدأت تغير المشهد، مشيرين إلى أن التحديات المتعلقة بالديون التي تواجه الولايات المتحدة أصبحت ثير قلقا متزايدا مقارنة بتلك التي تواجهها الصين.
قال شي جون تشاو، أستاذ المالية في جامعة رينمين في بكين "إن مخاطر ديون الحكومات المحلية في الصين تم احتواؤها بعد أعوام من الجهود، وهي في طريقها إلى التراجع تدريجيا".
وأوضح أن معظم ديون الصين تقع على عاتق الحكومات المحلية، ما يمنح الحكومة المركزية مساحة للتدخل والمساعدة في السداد، أما في الولايات المتحدة، فعبء الديون يقع على المستوى الفيدرالي، وهو وضع وصفه بأنه "أكثر إثارة للقلق".
تمديد آجال سداد ديون الحكومات المحلية في الصين
في أواخر العام الماضي، أطلقت الصين خطة مبادلة ديون بقيمة 12 تريليون يوان (1.67 تريليون دولار أمريكي)، بهدف تخفيف ضغط السداد على السلطات المحلية، ووفقا لوزارة المالية بلغ حجم ديون الحكومات المحلية المخفية 14.3 تريليون يوان بحلول نهاية 2023، معظمها تراكم من خلال أدوات تمويل الحكومات المحلية.
أدى برنامج مبادلة الديون إلى تمديد آجال سداد ديون الحكومات المحلية، إذ ارتفع متوسط مدة استحقاق السندات إلى 15.88 سنة في النصف الأول من 2025، وفقا لمجموعة التصنيف الائتمانيCCXI . وتعود أصول المشكلة إلى توسع أدوات تمويل الحكومات المحلية منذ أزمة 2008، حيث مولت مشاريع بنية تحتية ضخمة دون عوائد تُذكر، مع أن ديونها لا تُسجل رسميا لكنها مدعومة ضمنيا من الدولة.
بدأت بكين جهودها للحد من هذه الالتزامات غير المدرجة في الميزانية قبل التحرك الأوسع العام الماضي. في 2018، طلبت وزارة المالية من الحكومات المحلية تسوية هذه الديون المخفية في غضون 5 إلى 10 أعوام. وفي نهاية 2022، كشف وزير المالية السابق ليو كون أن هذه الديون المخفية قد تقلصت أكثر من الثلث في غضون 5 أعوام.
بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها، إذ أصبحت منطقة منغوليا الداخلية هذا الأسبوع أول منطقة تُزال من قائمة "عالية المخاطر" التي وضعتها الحكومة المركزية في 2023. ووفقا لتشاو من جامعة رينمين، أسهمت عمليات إعادة الهيكلة في خفض معدلات الفائدة على الديون الجديدة مقارنة بالالتزامات القديمة. وقال "إن هذه الخطوة، إلى جانب انخفاض أسعار الفائدة في السوق حاليا، ساعدت فعليا على خفض تكاليف التمويل على الحكومات المحلية وتخفيف عبء مدفوعات الفوائد".
وفقا لمجموعة CCXI، وبفضل بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، اتجهت أسعار إصدار السندات للحكومات المحلية نحو الانخفاض هذا العام، حيث بلغ المتوسط المرجح نحو 1.92% - أي أقل نحو نصف نقطة مئوية عن العام السابق - وانخفض سعر الفائدة في يونيو إلى 1.8% فقط، وهو أدنى مستوى له هذا العام.
أمريكا تعتمد على المستثمرين الأجانب
في الولايات المتحدة، على سبيل المقارنة، راوح العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 أعوام بين 4 و4.5% لمعظم 2025، في حين إن الصراع بين الرئيس دونالد ترمب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أبقى توقعات خفض أسعار الفائدة غير مؤكدة.
قالت أليسيا جارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك الاستثمار الفرنسي ناتيكسيس، "إن الوضع في الولايات المتحدة أسهل من جهة، لأن الدولار هو عملة احتياطية عالمية، لكنه أصعب من جهة أخرى لأن الحكومة الأمريكية تعتمد على المستثمرين الأجانب لتمويل عجزها، بينما ديون الصين مملوكة في الغالب محليا وهذه ميزة كبيرة للصين".
وأضافت أن "نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للصين لا يزال يفوق نمو الولايات المتحدة، ما يجعل ديونها أكثر استدامة"، لكنها حذرت من أنه إذا شجع هذا الأمر على الاقتراض غير المحدود، فقد يصبح مشكلة.
ووفقا لأحدث قاعدة بيانات لتوقعات الاقتصاد العالمي الصادرة عن صندوق النقد الدولي في أبريل، من المتوقع أن تصل نسبة الدين الحكومي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة إلى 122.46% هذا العام، مقارنة بـ96.31% للصين.
على واشنطن إيجاد مصادر دخل خارجية
تزايدت المخاوف بشأن استدامة ديون الحكومة الأمريكية عقب إقرار مشروع القانون الذي اقترحه ترمب، الذي رفع سقف الدين بمقدار 5 تريليونات دولار أمريكي، ما أثار تحذيرات من "قنبلة ديون" وشيكة من شخصيات مثل إيلون ماسك ومدير صندوق التحوط راي داليو.
وأشار تشاو إلى أنه نظرا لتركز الدين الأمريكي على المستوى الفيدرالي، لا يمكن للحكومة تمديد التزاماتها إلا بإصدار ديون جديدة أو زيادة الإيرادات.
وحذر قائلا: "إن تباطؤ نموها الاقتصادي يُصعب زيادة الإيرادات، لذا تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على تمديد الديون للوفاء بالتزاماتها، ما يفاقم العبء ويزيد من مخاطر التخلف عن السداد".
وأضاف: "لهذا السبب تسعى الولايات المتحدة الآن إلى إيجاد مصادر دخل خارجية، مثل فرض رسوم جمركية إضافية أو تحصيل "رسوم حماية"، في إشارة إلى اقتراح ستيفن ميران، كبير المستشارين الاقتصاديين لترمب، بأن تُساعد دول أخرى في تحمل دور الولايات المتحدة في توفير "السلع العامة العالمية"، بما في ذلك عن طريق تحويل الأموال مباشرة إلى وزارة الخزانة الأمريكية.