Author

استدامة التنمية والعقبات الكبيرة

|

تواجه مخططات التنمية المستدامة التي أطلقتها الأمم المتحدة، عقبات كثيرة وكبيرة ومتنوعة. وهذا ما تؤكده المنظمة الدولية في كل المناسبات تقريبا. ويبدو هذا واضحا أكثر من التصريحات المحبطة أو غير المتفائلة للأمين العام لهذه المنظمة، الذي يؤكد أن المخططات المشار إليها لم تصل حتى إلى الحد الأدنى المطلوب، بل إنه عد أن 15 في المائة فقط من مخططات التنمية المستدامة هي على الطريق الصحيح.
هذا يطرح مجموعة من الأسئلة الصعبة حول إمكانية أن تتحقق هذه الأهداف حتى بعد التاريخ المحدد لها، وذلك لأسباب عديدة، في مقدمتها المصاعب الحقيقية التي يمر بها الاقتصاد العالمي، والتأثيرات المباشرة وغير المباشرة للحرب الدائرة في أوكرانيا، فضلا عن الأزمات التي تركتها جائحة كورونا، والتداعيات الاقتصادية والصحية الناجمة عنها التي لا تزال حاضرة على الساحة.
وسط هذه التفاعلات والمؤثرات، تظهر بقوة أيضا الخلافات الجيوسياسية التي تعرقل مزيدا من مسارات التنمية المستدامة، ولا سيما في سياق مساعدة الدول الفقيرة، التي تواجه مستقبلا صعبا على الصعيد المعيشي والتعاطي مع المصاعب الاقتصادية التي تواجهها. ومن الواضح أيضا أن هذه الخلافات التي وصل بعضها إلى المواجهة الفعلية وبعضها الآخر على حافتها، تولد الضغوط المعرقلة للمسار التنموي المستهدف على الساحة العالمية ككل. فالأهداف التي تبنتها الأمم المتحدة ضمن خطة التنمية المستدامة لعام 2030، مهمة وواعدة من أجل الوصول إلى الحالة التي يحتاج أن يكون العالم عليها حقا. فهي تمتد من العمل على القضاء على الفقر المدقع والجوع، وتعزيز العمل المناخي والتعليم. أي أنها كلها تستهدف مخرجات تصب في النهاية في الحياة المعيشية لسكان الكرة الأرضية، ولا سيما أولئك الذين يعانون أكثر من غيرهم في هذه المجالات.
القمة المخصصة لمخططات التنمية المستدامة 2030 في الأمم المتحدة، تستهدف بالطبع تذليل العقبات أمام مسار هذه المخططات، وذلك عن طريق مواجهة الأخطاء التي ارتكبت بالفعل في الأعوام الماضية وتحديدا منذ عام 2015، العام التي تم فيه إطلاق "أهداف التنمية". لكن المسألة لا تتعلق بالأخطاء فقط، بل بالفوارق الكبيرة. فالهوة بين الدول المتقدمة والنامية وبالطبع تلك التي توصف في الدول الأشد فقرا واسعة للغاية، وهي آخذة في الاتساع. وإذا ما أراد القائمون على "أهداف التنمية" تحقيق قفزات نوعية في هذا المجال، عليهم أن يبقوا الهوة بحجمها لا أن تترك للاتساع في المستقبل القريب. وهذه النقطة مهمة للغاية، خصوصا مع بروز أصوات لا تهدأ تتحدث باستمرار على ما يمكن وصفه بالعدالة العالمية، وتغيير النمط الذي يسير عليه العالم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وهذه النقطة تدخل عمليا في المطالب المتصاعدة للدول المتقدمة على إطلاق إصلاحات في المؤسسات الاقتصادية الدولية، ليس فقط من الناحية السياسية، بل من جهة معالجة ديون الدول النامية المتصاعدة. فحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كرر في أكثر من مناسبة ضرورة إدخال هذه الإصلاحات على نظام وضع قبل أكثر من 70 عاما، لم يعد يواكب المتغيرات الدولية. فديون الدول النامية باتت تمثل طوقا غليظا عليها يصعب النجاة منه، ولا بد من الوصول إلى حلول ناجعة لهذه الأزمة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة. ومن هنا يمكن فهم تحركات مجموعة العشرين الهادفة إلى أن تكون لها دور أكبر في المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية التقليدية المعروفة. لا توجد مؤشرات حتى اليوم تدل على أن مخططات التنمية المستدامة يمكن أن تمر بسهولة من فوق المعوقات الراهنة. لكن بلا شك هناك تحركات متزايدة لتحقيق ما أمكن من أهداف التنمية في المستقبل. فهذه الأهداف بحد ذاتها توفر القوة للاقتصاد العالمي، وتجنبه كثيرا من المصاعب والأزمات.

إنشرها