Author

التحدي الأكبر للبنوك التقليدية

|

البنوك الرقمية مؤسسات مصرفية تقدم الخدمات البنكية التقليدية بدءا من فتح الحسابات وإيداع الأموال وتحويل الأموال وصولا إلى جميع صور الإقراض، لكن ذلك يتم بالكامل عبر الإنترنت دون الحاجة إلى فروع مادية، هذا النموذج يعتمد تماما على التكنولوجيا الحديثة والابتكار الرقمي لتقديم خدمات سهلة وسريعة للعملاء، فالبنوك الرقمية من خلال هذه التكنولوجيا تتيح للأفراد والشركات الوصول إلى حساباتهم وإجراء معاملاتهم المالية من أي مكان وفي أي وقت عبر تطبيقات الهواتف الذكية أو عبر مواقع الشبكة.
ويعود تاريخ المصرفية الرقمية، وفقا لهذا التعريف إلى 1953، عندما قام الباحثون في معهد ستانفورد للأبحاث ببناء جهاز كمبيوتر كبير الحجم ليستخدمه بنك أوف أمريكا، لحل أزمة الورق المتصاعد، عندها استطاع الباحثون إنشاء ERMA، أول آلة للتسجيل الإلكتروني للمحاسبة، ومعالجة الشيكات.
هكذا أصبح النظام المالي رقميا، وعلى مدى الأعوام التي تلت ذلك، تغلغلت الخدمات المصرفية والمحوسبة بشكل متزايد حتى بدأ في 1967، استخدام أول ثلاث آلات "نقاط صرف" مختلفة، تعرف الآن باسم أجهزة الصراف الآلي، واحدة في السويد، واثنتان في المملكة المتحدة وهي ماكينة صرف النقود خارج أحد فروع البنك، وهكذا لم يعد الناس مضطرين إلى الاعتماد على الصرافين في البنوك، التي في الأغلب ما تغلق أبوابها في فترات توقف العمل للحصول على أموالهم، وبحلول 1984 كان هناك نحو 100 ألف جهاز يعمل في جميع أنحاء العالم. واليوم أصبحت بالملايين، ولم تقف المحاولات هنا، بل تجاوزت ذلك في منتصف الثمانينيات عندما أصبحت أجهزة الهاتف الثابت في كل منزل تقريبا، حيث بدأت المصرفية الهاتفية، ما يسمح للعملاء بالوصول إلى حساباتهم وإجراء المعاملات عبر الهاتف، وهذا مهد الطريق تماما أمام الهواتف الذكية، التي بدأت تغزو العالم بحلول 2007، واندمجت فيها فكرتا الهاتف المصرفي مع أجهزة الصراف الآلية، وأصبح من الممكن إجراء أي وظيفة مصرفية تقليدية تقريبا عبر الإنترنت، ولقد كان انتشار هذه الخدمة أسرع بكثير من الوقت الذي استغرقه انتشار أجهزة الصراف الآلية.
لقد جعلت الخدمات المصرفية الرقمية النظام المالي أكثر ملاءمة وسرعة وسهولة في الوصول إليه من أي وقت مضى، ومع تزايد قبول المجتمعات لها وفي ظل الابتكارات المحمومة في تطبيقات الهواتف الذكية، ظهرت "التكنولوجيا المالية، بما يسمح للمستخدمين بإرسال واستقبال الأموال، إضافة إلى مجموعة واسعة من المعاملات الأخرى، دون المرور عبر البنك على الإطلاق، وكان آمنا على شركات مثل PayPal، التي قدمت لأكثر من عقدين خدمات الدفع عبر الإنترنت وبلغ عدد مستخدميها 286 مليونا وتبلغ قيمتها 220 مليار دولار، أن توظف وبسهولة التكنولوجيا المالية.
وكان لظهور شركة PayPal أثر بالغ في تحول البنوك التقليدية إلى تطوير تكنولوجيا المعلومات وخدمات العملاء الرقمية لمنافسة هذا التحدي المقبل، وتضمن ذلك تطوير تطبيقات الجوال ومواقع الويب وتحسين الأمان الرقمي وحماية البيانات الشخصية للعملاء، وأدى ذلك بشكل واضح إلى خفض التكاليف، فتمكنت البنوك التي حققت مثل هذا التحول من تقليل التكاليف التشغيلية بشكل كبير، مقارنة بالبنوك التي بقيت تقليدية، وتحتاج إلى تشغيل شبكة كبيرة من الفروع، وانتشرت فكرة البنوك الرقمية بسرعة كبيرة يقودها التطوير المتواصل في تقنيات الهواتف الذكية، والتقدم في حماية البيانات الشخصية للعملاء، مع التقدم في الأنظمة التي تحمي البيانات الشخصية وتقنيات التعرف على العميل، والهوية الرقمية.
ومنحت كل هذه التكنولوجيا أرضا خصبة تماما لتقديم هذه البنوك الرقمية لتتصدر المشهد المصرفي، وتقديم خدمات بنكية بأسعار أكثر تنافسية، ومع ذلك، فإن تحول البنوك التقليدية إلى بنوك رقمية ليس أمرا سهلا، كما يبدو، فالبنوك التقليدية التي لها فروع في كل مكان وتعمل، وفقا لمفاهيم راسخة في التعرف على العميل، ولديها مستويات مخاطرة مقننة، تجد صعوبات بالغة في اقتحام المصرفية الرقمية، فمثلا في 2017، -وفقا لـ"فاينانشيال تايمز"- دفع بنك جيه بي مورجان 400 مليون دولار لشركة WePay للتكنولوجيا المالية كمنصة إطلاق لبناء Chase Pay المحفظة المحمولة للبنك ومنافس ApplePay وStripe.
وبعد أقل من أربعة أعوام، ومع عدم تمكنه من إقناع العملاء باتخاذ الخطوة الإضافية للدفع من خلال تطبيقه، قام البنك بإغلاق Chase Pay، وعاد في الآونة الأخيرة، إلى إبرام صفقات مع أمازون وأبل من شأنها أن تساعد شركتي التكنولوجيا على توسيع الخدمات المصرفية التي تستطيعان تقديمها لعملائهما. كما لدى Citi أيضا صفقة لتوفير بعض التمويل لعرض الدفع بالتقسيط من Amazon. ومن الواضح من هذه التجربة عدم قدرة البنوك التقليدية للسيطرة على سوق التكنولوجيا المصرفية لمجرد أن لديها خبرات مصرفية، بل لا بد من فهم كامل لمفهوم السوق الرقمية واحتياجات العملاء فيها، لهذا أعلنت مجموعة لويدز المصرفية هذا العام أنها تتطلع إلى إقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا المالية، وفي الاتجاه نفسه، وافق القسم المصرفي لشركة الهاتف المحمول الفرنسية Orange على صفقات مع شركتي التكنولوجيا المالية Younited وMambu لتشغيل منصة الإقراض الرقمي والخدمات المصرفية عبر الإنترنت، على التوالي.
وعلى هذا الصعيد، تشهد دول الخليج سباقا متسارعا لتأسيس البنوك الرقمية، بالتوازي مع تحديث الأنظمة الرقابية والإشرافية لاستيعاب الشكل الجديد من المؤسسات البنكية، الذي يعول عليه لتسريع التحول الرقمي في القطاع المصرفي وزيادة الشمول المالي.
ولم تكن السعودية بعيدة عن هذا المشهد المتسارع، فقد شهدت نموا سريعا للبنوك الرقمية المرخصة في الأعوام الأخيرة. فقد وافق مجلس الوزراء على بنك stc pay برأسمال 2.5 مليار ريال، والبنك السعودي الرقمي برأسمال بلغ 1.5 مليار ريال وبنك D360 الرقمي، ليصل عدد البنوك الرقمية العاملة في المملكة إلى ثلاثة بنوك، تعمل بميزات مبتكرة مثل، عمليات الدفع السريعة وتحسين تجربة العميل عبر التكنولوجيا الحديثة، وهي تفرض واقعا جديدا من التحدي أمام البنوك التقليدية، حيث من المتوقع أن تستمر البنوك الرقمية في النمو في المنطقة، وأن يكون لها تأثير كبير في الصناعة المصرفية التقليدية في المستقبل، مع تطوير خدماتها وتقديمها بشكل أكثر فاعلية وراحة للعملاء.

إنشرها