مخاطر عدم الاستثمار في صناعة الطاقة

يتضح بين الحين والآخر مدى التأثير الأيديولوجي اليساري على خطط وبرامج حماية المناخ في كونها مبنية على معتقدات فكرية ومبادئ فلسفية أكثر من كونها - كما ينبغي - مرتكزة على أسس علمية سليمة وواقعية تأخذ في الحسبان ما تم من جهود وتطورات في سبيل معالجة القضايا المناخية وتكون مبنية على توقعات مستقبلية عقلانية براغماتية، لا على مجرد افتراضات مشبعة بالآمال والأمنيات. أحد الردود المباشرة على هذه الادعاءات صدر في بيان رسمي من أمين عام منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" الأسبوع الماضي في سياق الرد على ادعاءات وكالة الطاقة الدولية بشأن الوصول إلى قمة الطلب العالمي على النفط التقليدي قبل 2030.
الرد المتعقل للأمين العام لم يكن لمجرد تصحيح المعلومات المغلوطة حول الطلب العالمي على النفط كما ورد على لسان المدير التنفيذي للوكالة، وكما ورد في دراسات سابقة للوكالة، بل إن الرد جاء ليحذر من أن الاعتماد على هذه المعلومات المضللة من شأنه أن يحدث خللا كبيرا في صناعة الطاقة ومستقبلها. ما تنشره وكالة الطاقة الدولية من معلومات تتلقفها كثير من الجهات البحثية والمنظمات البيئية والمشرعين في كثير من الدول، ويتم بناء قرارات مصيرية بالاعتماد على ما تمليه من استنتاجات وتوقعات، سينتج عن ذلك انخفاض في نشاطات البحث والتطوير والاستثمار في تقنيات الطاقة التقليدية، التي لا يزال العالم يعتمد عليها في مكان. وبالتالي التخوف الذي دق ناقوسه أمين عام "أوبك" هو أن تلك القرارات المنفلتة ستؤدي إلى نقص كبير في الاستثمارات المتعلقة بإنتاج الطاقة وتقنيات مصادرها ونقلها وتخزينها وصيانتها وفي منظومتها على وجه العموم، ما قد يتمخض عنه أن يجد العالم نفسه في المستقبل القريب معتمدا على تقنيات قديمة وآليات متهالكة وتجهيزات متواضعة لن تفي بالمتطلبات المستقبلية للطاقة.
مستقبل الطاقة يجب ألا يكون عرضة لمراهنات على تقنيات لم تثبت جدواها بعد، وفي حالات أخرى لم تثبت صحتها ولا إمكانية تنفيذها، وفي الوقت نفسه يكون مستقبلا مدمرا للصناعة الحالية الناضجة والمنطلقة في مسارات تطويرية مهمة على صعيد الأبحاث والتطوير والاستثمار. أقرب مثال لتشبيه الوضع الذي سيجنح إليه العالم بالاعتماد على خطط واستراتيجيات منظري حماية البيئة والقضاء على الوقود الأحفوري هو أن عالم الطاقة البديلة المنتظر سيكون كالغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة ففشل، وحين حاول العودة إلى مشيته الأصلية لم يستطع!
الحرب على الوقود الأحفوري قائمة منذ عشرات الأعوام، وهذا كبير منظريهم الناشط المناخي نائب الرئيس الأمريكي الأسبق "آل غور" يحتج على مشاركة شركات النفط والدول النفطية في محادثات المناخ التي ستنطلق في الإمارات هذا العام أثناء قمة "كوب 28" للمناخ، زاعما أنه لا يمكن الافتراض بأن مشاركتهم ستكون بحسن نية وأنهم بحسب رأيه يشكلون عائقا أمام الحد من استهلاك الوقود الأحفوري.
المملكة العربية السعودية وجميع الدول النفطية يولون أهمية قصوى لخفض الانبعاثات الضارة بالمناخ والعمل على حماية البيئة وتحقيق الاستدامة ومواجهة شتى آثار التغير المناخي، وذلك من خلال استراتيجيات ابتكارية وعملية تعتمد على طرق حديثة للتخلص من الانبعاثات كأساليب الاقتصاد الدائري للكربون وإنتاج الهيدروجين ورفع مستوى الرقعة الخضراء لامتصاص الكربون وغير ذلك من استراتيجيات وحلول متنوعة.
ينتقد عدد من المهتمين بقضايا الطاقة والمناخ تقارير وكالة الطاقة الدولية في أنها تحتوي على جملة من الافتراضات والمغالطات التي اعتمدت على عوامل ظرفية غير جوهرية أو قابلة للتغير بلا أي أسس علمية وبيانات دقيقة، إلى جانب أنها ستؤدي إلى إحداث تأثيرات بيئية مدمرة نتيجة استهلاكها للمعادن النادرة لإنتاج الألواح الشمسية والتوربينات والبطاريات وغيرها، بينما في المقابل ترتكز استراتيجية الدول النفطية على ضمان الحصول على الطاقة في جميع الأوقات بتكاليف مناسبة للأوضاع الاقتصادية لجميع الدول، والعمل على مواجهة التغير المناخي على المستوى العالمي وعدم اتخاذ أي إجراءات قد تتسبب في إعاقة نمو صناعة النفط واستدامة الطاقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي