مسؤولية الشريك عند إفلاس الشركة

تعرضت كثير من الشركات للإفلاس خلال جائحة كورونا وما تلاها من أعوام، لعدم قدرتها على استعادة مركزها المالي السابق، ما حدا بكثير من المستثمرين لتجنب الاستثمار في الشركات خشية المساءلة القانونية عند إفلاسها. لذا فمن المهم تبيان حدود مسؤولية الشركاء في الشركات، وتوضيح أنها تختلف باختلاف شكل الشركة.
فشركات التضامن مثلا يكون فيها جميع الشركاء مسؤولين تضامنيا بشكل مطلق حتى أموالهم الشخصية عند إفلاس الشركة. وفي المقابل، شركات المساهمة والمساهمة المبسطة والشركات ذات المسؤولية المحدودة والشركاء الموصون في شركات التوصية البسيطة ـ يكون الشريك مسؤولا عن إفلاس الشركة في حدود مساهمته وحصته في رأس مال الشركة فقط، ولا يتعدى ذلك إلى أمواله الشخصية.
هذا التنوع في مسؤولية الشركاء وجد لحماية حقوق كل من الشركاء ودائني الشركات. فالأصل أن رأس مال الشركة هو الضمان العام لدائنيها، ولهذا السبب نص نظام الشركات في أحكام كل من شركتي المساهمة وذات المسؤولية المحدودة على أنه إذا بلغت خسائر الشركة نصف رأس مالها، وجبت دعوة الجمعية العامة إلى الاجتماع للنظر في استمرار الشركة مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة تلك الخسائر، أو حلها. ما يعني أن النصف المتبقي من رأس مال الشركة سيكون الضمان لتلك الخسائر في حال تصفية الشركة لعدم القدرة على معالجة خسائرها وسداد ديونها، وذلك لأن مسؤولية الشركاء في تلك الشركات محدودة ولا تتجاوز ما تم دفعه من حصص في رأس المال.
انعكس هذا المفهوم على نصوص نظام الإفلاس الذي اعترف بوجود حدود لمسؤولية الشركاء. حيث نصت المادة "120" منه على أن "يراعي الأمين عند تصفية أصول التفليسة حدود مسؤولية الشركاء وفقا لأحكام الأنظمة ذات العلاقة"، وهو يلمح بذلك إلى نظام الشركات. ثم يؤكد في الفقرة الثانية من المادة نفسها أن هذه المسؤولية المحدودة لا تشمل الشركاء المتضامنين، حيث إنهم ملزمون "بتغطية ما ينقص من أصول التفليسة إذا لم تكف حصيلة بيعها للوفاء بديون التفليسة، ويطلب الأمين منهم كتابة الوفاء بديون التفليسة في الموعد الذي يحدده، ويضاف ما يدفعون من أموال إلى أصول التفليسة. وفي حال تخلفهم عن السداد، فعلى الأمين أن يتقدم إلى المحكمة بطلب إلزامهم بالسداد".
وفقا لهذا التفصيل، إذا افترضنا أن شركة تضامن تعاني إفلاسا وتخضع لعملية التصفية، يتوجب على أمين التصفية أن يطالب الشركاء المتضامنين بزيادة أصول التفليسة وسداد الديون من أموالهم الخاصة، "... عدا ما وافقت المحكمة على احتفاظ المدين ذي الصفة الطبيعية به لتوفير ما يكفي له ولمن يعول لمعيشة بالمعروف، بناء على تقدير الأمين...". أما إذا افترضنا أن شركة مساهمة أو ذات مسؤولية محدودة تعاني إفلاسا وتخضع لعملية التصفية، فيجب على أمين التصفية أن يتنبه إلى أن مسؤولية الشركاء فيها محدودة، وبالتالي فلا يحق له مطالبتهم بزيادة أصول التفليسة وسداد ديون الشركة.
من الناحية الفقهية فقد أيد مجمع الفقه الإسلامي تحديد مسؤولية الشركة بما لها من رأس مال فقط في قراره رقم 63 "1/7" في دورته السابعة في مؤتمره الذي عقد في جدة، المملكة. فقد تضمن هذا القرار جواز إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة، إضافة إلى "... أن يكون لبعض المساهمين مسؤولية غير محدودة بالنسبة إلى الدائنين دون مقابل..."، ما يفهم معه أن الجزء الآخر من المساهمين أو الشركاء تكون مسؤوليتهم محدودة بحدود ما لهم من حصص أو أسهم في الشركة. على الرغم من أن هذا القرار صدر في سياق شركات المساهمة، إلا أنه أساس شرعي معتمد لإجازة المسؤولية المحدودة في جميع أنواع الشركات التي تنطبق عليها مسألة تحديد المسؤولية نظاما.
تجدر الإشارة إلى أن تحديد المسؤولية ليس على إطلاقها في جميع أنواع الإفلاس، بل إن هذه الميزة يتمتع بها الشركاء في الإفلاس الحقيقي دون الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي. فالإفلاس الحقيقي ينتج عن عجز الشركة عن سداد ديونها، على الرغم من التزام الإدارة والشركاء فيها وعنايتهم التامة بواجباتهم العملية والمالية، ما يدحض مساهمتهم في الوصول إلى حالة الإفلاس. بينما من جهة أخرى، فالإفلاس التقصيري أو الاحتيالي يحدث نتيجة للإهمال أو الاحتيال من قبل الإدارة، فتتحول مسؤولية كل من قصر أو فرط إلى مسؤولية غير محدودة "تضامنية"، لأن تصرفاته تعد سببا في إفلاس الشركة. وقد شرحت المادة "28" من نظام الشركات هذا النوع من المسؤولية ونصت على المسؤولية التضامنية للمدير وأعضاء مجلس الإدارة عن الضرر -الذي قد ينتج عنه إفلاس الشركة- الذي ينشأ بسبب مخالفة أحكام النظام أو بسبب ما يصدر منهم من أخطاء أو إهمال أو تقصير في أداء أعمالهم.
على هذا الأساس، فإن تحديد مسؤولية الشركاء في الشركات لا يتعارض مع استيفاء الدائنين لحقوقهم، وفي الوقت ذاته فمسؤولية الشركاء المحدودة مشروطة بعدم ثبوت تقصير إدارة الشركة أو الشركاء فيها أو سوء تدبيرهم لشؤونها، وثبوت ذلك سيلغي هذه الحماية النظامية عنهم، ويجعلهم عرضة للمساءلة عن جميع ديون الشركة مهما كان شكلها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي