الفزعة
تكهرب الوجيه فصعقت أنا الذي كنت أحدثه عن حاجة صديق إلى شفاعة عابرة، قد تمكن أحد أبنائه المتفوقين من تجاوز سوء الطالع، ليستطيع الحصول على فرصة عمل في ميدان القطاع الخاص، دون أن يكون لهذا الفعل أثر سلبي في سواه من الشباب والفتيات إطلاقا، هكذا بالضبط كانت صيغة طلب الشفاعة بلا نقص ولا زيادة، إلا أن الانتفاضة التي هزت أركان مسامعي بمجرد طرح موضوع المحادثة ببراءة خالصة، استدعت في مخيلتي ساحات وميادين معارك الفساد، فأيقنت مزهوا بالفخر والاعتزاز القيمة الفعلية لمخرجات تلك الحرب النبيلة التي أشعل فتيلها ولي العهد -حفظه الله- لتوسيع دائرة العدالة والمساواة وحماية المكتسبات الوطنية، حتى أضحى الحديث عن الشفاعة مخيفا إلى هذه الدرجة، رغم اعتقادي الشخصي ببعدها وفقا لمفهومها المستقيم عن مرمى أهداف المعركة، إذ لا أرى فيها ما يسيء لجميع الأطراف، فالشفاعة فعل محمود إذا كانت تحقق مصلحة ليست على حساب الآخرين لا من بعيد ولا قريب، وهي بالطبع معيبة ومنبوذة وغير مقبولة إذا أخلت بميزان العدالة، بل إن الفزعة وفق النشأة والعرف فعل مستحب على هيئته المتوازنة المحققة للإنصاف في إرثنا الثقافي وبين ثنايا ديننا الإسلامي، وهي ضمن مفاخرنا، فخصال أبناء الصحراء تدفعنا إلى التنادي بكيل الثناء والمديح لمثمني قيمتها المقننة في أمور دون أخرى، والسواد الأعظم يدرك أهمية الاعتدال والعدل وفقا لقاعدة صفر أضرار.
بقدر ما فوجئت بردة الفعل آنفة الذكر إلا أنني أدركت حجم وقع المعركة التي ساوت بين الناس، فأضحى فضاء التقنية بكل ما يحتكم إليه من معايير دقيقة مسؤولا عن المفاضلة، جازما أن الرقابة التي توفرها وترعاها "نزاهة" لا بد أن تكون منصفة خاصة للمتقدمين على الوظائف، مستبعدا محاباة الخريجين الجدد على حساب خريجين سابقين كما يروج البعض، فالمفاضلة لا بد أن تكون لمصلحة الأقدم دون شك، معتقدا أن ذلك شرط معياري من شروط المفاضلة، إذ لا ذنب للأقدم حتى يعاقب بالتهميش على النحو المنقول.
الآن أيقنت أن قصص الفساد انخفضت بشكل ملحوظ بدليل تردد مشوب بهواجس الكل دون استثناء بعد أن أضحت الشفاعة شبهة، مدركا بأن تلك القصص لن تنقرض ما دام هناك شر يقابله خير لذلك لا بد أن نعي حجم المسؤولية المشتركة للحفاظ على مكتسباتنا فوراء كل تأخر بالحصول على حق من الحقوق المشروعة مهمل أو مستهتر أو فاسد في ظل إيمان قاطع بمقدار الجهد المبذول لتحقيق أقصى درجات الراحة والرفاهية للمواطن من قبل قيادتنا الرشيدة والشواهد لا تحصى ولا تعد في هذا المجال لا سيما أن خيرات المملكة العربية السعودية تجاوزت الحدود حتى أضحت الدولة الأولى السباقة في مد يد العون للإنسان أينما كان ونالت بذلك شرف تقدير المنصفين وضاعفت كدر الناقمين من جملة الحسدة والمرتزقة، فالمستقبل مشرق وزاهر ورصد ملامح الفساد السابقة واللاحقة متواصل.