العمل الحر بالإنترنت .. مهارات ونزاعات
يعد العمل الحر شكلا من أشكال العمل المنتشرة نشاطاته وهو من الممارسات التقليدية القديمة، حيث يقدم الأفراد مهاراتهم أو خدماتهم أو خبراتهم على أساس مشروع أو عقد للعملاء أو الشركات دون الالتزام بعقد عمل طويل الأجل فهم أفراد مستقلون لديهم مهارات عالية مطلوبة بشكل كبير بحيث يمكنهم العمل لدى أكثر من جهة ومشروع في الوقت نفسه، كما أن لديهم رغبة في مرونة العمل، فلا يلتزمون بأوقات العمل المحددة في النظام وفق ساعات محددة للحضور والانصراف.
فالعمل الحر وفقا لهذا التعريف يحقق عدة مزايا للعاملين فيه من بينها تمتعهم بحرية اختيار عملائهم ومشاريعهم وساعات عملهم، ولديهم فرصة العمل في مجموعة واسعة من الصناعات والمهارات، ما يعزز من خبراتهم وبالتالي قيمتهم المضافة، كما أنه ليس عليهم (في بعض التشريعات والدول) التزامات ضريبية أو تأمينات اجتماعية. يعمل عديد من المنصات عبر الإنترنت، مثل Upwork وFreelancer وFiverr وغيرها، على ربط مقدمة خدمة العمل الحر بالعملاء الذين يبحثون عن خدمات محددة.
وفي هذا الشأن نشر البنك الدولي هذا العام تقريرا مهما عن العمل الحر عبر الإنترنت مشيرا إلى أن هذا العمل يشهد نموا سريعا، لا توجد مصادر بيانات موثوقة لتقدير حجمه، وقد حاول التقرير ابتكار منهجية تساعد في تقدير حجم هذا القطاع، باستخدام مسح استقصائي عالمي على شبكة الإنترنت في 17 بلدا في ست مناطق باستخدام تكنولوجيا (RDIT)، أشارت التقديرات إلى أن عدد العمالة الحرة عبر الإنترنت على مستوى العالم يراوح بين 130 و435 مليونا، ويشير النهج المستند إلى المسوح الاستقصائية إلى أن هناك 132.5 مليون عامل رئيس يعمل بهذا النظام في سوق العمل، ولكن عندما يتم إدراج الذين يشتغلون بالعمل في سوق العمل كعمالة ثانوية أو هامشية، فإن التقديرات قد تبلغ 435 مليون عامل حر مؤقت على شبكة الإنترنت على مستوى العالم، وعلى هذا فإن نسبة العاملين في سوق العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت في القوى العاملة العالمية تراوح بين 4.4 و12.5 في المائة، وقد حدد التقرير الدولي ما عدده 545 منصة عمل حر عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم، تتوزع بين 63 بلدا بينما العاملون والعملاء في 186 بلدا وهذا يقدم دليلا على أنه لم تعد هناك علاقة بين مقر العمل وتقديم الخدمة، فقد يتم خدمة العملاء كما يوضح التقرير في بلاد مختلفة، ما يوسع قاعدة العملاء من ناحية ويفرض تنافسية عالية على العمال في بلادهم، وتقدم الدراسة أدلة إضافية بشأن توصيف هذه الظاهرة عالميا، حيث تبين أن البلدان ذات الدخلين المنخفض والمتوسط معا تسيطر على نحو 40 في المائة من معدل التعاملات على منصات العمل الحر عبر الإنترنت.
ويشكل الشباب دون سن الـ30 القاعدة الأهم لهذا القطاع، ويعود السبب في ذلك إلى المهارات الرقمية العالية لدى هذه الفئة وأيضا محاولاتهم للجمع بين العمل الحر عبر الإنترنت والدراسة أو أي وظيفة أخرى، وتشير الدراسة الدولية أيضا إلى أن النساء في معظم المناطق أكثر من يشارك في سوق العمل الحر عبر الإنترنت، وقد يكون لذلك أسباب عدة من بينها وجود فجوة كبيرة في الأجور بين الرجال والنساء، فقد أشارت الدراسة إلى أن مستوى أجور العاملات في سوق العمل عبر الإنترنت في أمريكا اللاتينية يمثل 68 في المائة من مستوى أجر الرجال.
إن هذه الصورة الشاملة توضح النمو المتصاعد لهذا القطاع، وتقدم لمحة عن حجم التحديات والمخاطر التي تواجه العاملين فيه، فعلى الرغم من أن المنصات تساعد مقدم الخدمة في العثور على عمل وعملاء، إلا أن العاملين فيه يجدون صعوبة في الحماية القانونية وصعوبات جمة في توثيق العقود، بما في ذلك شروط الدفع والمواعيد النهائية ومواصفات المشروع، والاتفاقيات الواضحة يمكن أن تساعد على تجنب النزاعات، ولهذا قد يتعرض العاملون فيه لمسؤوليات مالية كبيرة.
وفي حال عملت الحكومات على معالجة هذه التحديات فإنه يمكن للعمل الحر توفير فرص عمل لدعم النساء والشباب، ويمكن للحكومات وفقا للتقرير الدولي أن تدخل في شراكات مع المنصات المتخصصة لتقديم الدعم والتدريب للفئات الأكثر احتياجا ودعمهم في تسوية الخلافات وإدارة العلاقات العامة، إضافة إلى المهارات الفنية الرقمية.