سجن الأب أم الأم؟
قرار محاسبة ولي الأمر على تغيب ابنه أو ابنته عن المدرسة لـ20 يوما خلال العام الدراسي أثار كثيرا من النقاش، والدراما، والكوميديا، وحمل في طياته كثيرا من المعاني التي انتبه لها البعض القليل وغفل عنها أغلب المتناقشين.
إنها حالة ثقافية إن صح لي وصفها بذلك، فالقرار يعد من التشريعات التي تحمي الطفل، أي إنه جزء أصيل من حقوق الإنسان، فالحق في التعلم والحصول على التعليم الأساسي مكفول، والتهاون فيه مجرم بعقوبات ومساءلات لاتخاذ إجراءات قد تصل في حالات نادرة جدا إلى السجن، وأحسب أو أتمنى أن ذلك لن يحدث، لكن قصة السجن أخذت الجانب الأكبر من الاهتمام لكونها جديدة على المجتمع، الاهتمام الذي أبدع البعض في تكييفه إلى طرائف و"قفشات" تم تداولها.
القرار يحمل وزارة التعليم مسؤولية أكبر، فهي زادت من سقف توقعات الناس، فالغياب لأسباب تخص مبانيها أو الخدمات الأساسية فيها لن يحسب، والفراغ الذي يعيشه الطلاب والطالبات بسبب الفصول الثلاثة يجب أن يملأ حتى لا يغيب الطلاب، ولا يغيب المعلمون والمعلمات الغياب المستتر، أي يحضرون دون عمل شيء، ويتمنى بعضهم في قرارة أنفسهم ألا يحضر الجميع، خصوصا في الأيام الأخيرة من كل فصل دراسي.
الملمح الثقافي الاجتماعي الذي أثار انتباهي أن كل الرسائل و"النكت" توجهت إلى الأب واحتمالية تعرضه للمساءلة أو العقاب إن ثبتت أدانته، ولم يتطرق أحد إلى الأمهات، تناسى البعض أن هناك نسبة كبيرة من الأسر تعولها الأم كعائل وحيد، وهي هنا ولي الأمر، وربما يشي هذا بقناعة في العقل الباطن الجمعي أن الأمهات أكثر حرصا على الدقة والمواظبة وتطبيق النظام، إضافة إلى أن سجن الأم صورة عصية على التخيل لمكانتها الوجدانية الكبيرة.
المجتمع السعودي يتغير للأفضل فيما يتعلق بتنظيم العلاقات بين أفراده وبينهم وبين جهات حكومية ترتبط بمعاشهم وجودة حياتهم، هناك استيعاب لكل تنظيم جديد حتى لو غير من صلاحيات الأب مثلا طالما أنه يحفظ حقوقا إنسانية أساسية لا يجب أن تخضع للأهواء والرغبات بما فيها أهواء ورغبات الأطفال إذا كانت تعارض مصلحتهم.
الحديث طويل ومهم، لكني أختم مازحا برجاء للأمهات ألا يستمعن للنصيحة "الخبيثة" التي استظرف بها أحدهم بتغييب الأبناء 20 يوما مع قرب وبداية شهر رمضان، حتى تستريح من التجهيز للمدرسة، وتجهيز الإفطار لزوجها، وهي بالمناسبة ملمح إبداعي ـ وإن اختلفنا معه ـ يرتبط بثقافة المجتمع وأدوار كل فرد في الأسرة.