مدن لا تنام
قرار إنشاء رئاسة الشؤون الدينية في المسجد الحرام والمسجد النبوي وربط المدينتين المقدستين بأعلى سلطة في المملكة، وإسناد شؤونهما إلى وزير، لم يكن قرارا مفاجئا، بحكم تواصل مراحل التطوير والتحديث لكل ما يتعلق بشؤون الحرمين الشريفين وحجم الاهتمام بتقديم أرقى وأفضل الخدمات المؤدية إلى راحة الحجاج والمعتمرين، حتى باتت مكة والمدينة القدوة الحسنة لهيئة الرقي التنموي المشرف للمدن على مستوى العالم، بعد أن حظيتا برعاية فائقة جعلت منهما نموذجا للتخطيط الهندسي الإسلامي الراقي المحقق للمبتغى والتطلع.
ملايين الزوار تفد سنويا إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في رحلتي الحج والعمرة، لتنعم بأداء المناسك في أجواء مفعمة بالراحة والطمأنينة وتتفرغ للعبادة بيسر وسهولة دون أدنى انشغال بما دون ذلك نظير تسخير الغالي والنفيس لراحة القادمين من كل حدب وصوب، الأمر الذي جعل من المدينتين المقدستين واجهة إسلامية في ظل تسارع وتيرة المشاريع وافتتاح مزيد من الجسور والأنفاق، امتدادا لحالة تنمية رائدة مستمرة سبقتها مشاريع لبنى تحتية مذهلة وحلول مثالية أدت إلى تخفيف الازدحام وأسهمت دون شك في ارتقاء الأداء الخدمي بشكل عام على مدار الـ24 ساعة بحكم عدم تثاؤب المدينتين، وفتح أبواب الحرمين طوال اليوم لزائريهما عبر تسخير مليارات الريالات سنويا، حتى بلغتا الاستفادة القصوى من التحول الرقمي بأشكاله وأغراضه المختلفة.
يأتي إسناد إدارة شؤون الحرمين إلى كفاءة بمرتبة وزير من باب تعظيم المهمة وتثمين المقام وتواصل رفع قيمة المرافق الإسلامية المقدسة بما يجسد مكانتها لدى قادة المملكة، ويؤكد حجم الرعاية والاهتمام، خاصة أن خادم الحرمين الشريفين اللقب المفضل لدى ملوك المملكة، كما يأتي تعيين الدكتور عبدالرحمن السديس لقيادة إدارة شؤون الحرمين تتويجا لعطاء مقدر في أعقاب نجاح متواصل حقق تطلعات المرحلة وعزز القدرة على مزيد من الإنجازات في مضمار تسهيل أداء الشعائر، ولنا في شهادة القادمين للحج والعمرة ما يثلج الصدر ويجدد الفخر والاعتزاز ويدفع الجميع إلى تحقيق توجيهات القيادة في هذا المضمار، حيث ستبدو المدينتان المقدستان خلال الأعوام الخمسة المقبلة من أهم مدن العالم وأكثرها حيوية، في ظل استهداف استضافة نحو 30 مليون معتمر، بعد أن تم تشييد البنى التحتية، وأضحت الوحدات السكنية المتوافرة وتلك المراد توفيرها علامة بارزة لنهضة شاملة، برؤى حضارية تحقق الأهداف السامية.