الغبار يقتل الناجين من الزلزال في صمنداغ التركية
تغطي سحابة رمادية من الغبار مدينة صمنداغ الساحلية الواقعة في أقصى جنوب محافظة هاتاي التركية الأكثر تضررا من زلزال السادس من فبراير، الذي دمر جنوب البلاد ومناطق في سورية وقتل أكثر من 55 ألف شخص.
بعد خمسة أشهر من الكارثة، تبدو ورشة إعادة الإعمار هائلة، بعدما أحصت الحكومة التركية نحو 2.6 مليون مبنى مدمر.
ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، يجب إزالة 116 مليونا الى 210 ملايين طن من الأنقاض. وتجدر الإشارة إلى أنه كان قد تراكم في موقع "غراوند زيرو" في نيويورك، بعد انهيار برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001، 1,8 ملايين طن.
تنقض الحفارة على هيكل البناء الكبير لإزالة الأجزاء الأخيرة التي لا تزال قائمة، والتي تصطدم بسحابة من الغبار.
يقول كاغداس كان الناشط البيئي في منصة (إعادة إعمار) وفقا لوكالة فرانس برس: "إنهم لا يرشون الماء حتى". وكان في تلك اللحظة يراقب تحرك الشاحنات التي تغادر وسط صمنداغ باتجاه مكب نفايات ضخم، يجاور أحد أطول الشواطئ في تركيا.
في المنطقة المتاخمة لسورية، تم فتح العديد من مكبات النفايات. أما المطمر في صمنداغ، فهو عبارة عن موقع ضخم تضربه الرياح البحرية، يجاور البحر الأبيض المتوسط ومحمية الطيور الطبيعية في مليحة، حيث تعيش سلاحف كاريتا كاريتا والسلاحف الخضراء تشيلونيا ميداس الخضراء، المصنفة على أنها من الأنواع المهدّدة بالانقراض.
- حديد ومعادن
يقول كاغداس: "كانت هناك مواقع أخرى محتملة.. لكن الشركات الخاصة التي فازت بالمناقصات تأتي إلى هنا لتوفير الوقود".
ويضيف: "بالنسبة إليها، كل ما يهمها هو جمع الحديد والمعادن"، متحدثا في الوقت ذاته عن إخفاق الآليات في الأيام الأولى بعد وقوع الكارثة.
يوضح أن ناشطين قاموا بتشكيل سلاسل بشرية لمنع مرور الشاحنات. لكن رجال الدرك تدخلوا.
ويشير الناشط إلى أن لا أحد يضع كمامة. مواقع الهدم ليست مغطاة ولا يتم رش المياه عليها، كذلك الأمر بالنسبة إلى الشاحنات التي تنقل الركام، كما يقتضي التشريع.
ويأسف لأن السكان المنهكين توقفوا عن تحركاتهم. مع ذلك، يشعر السكان بالقلق بقدر ما يشعر دعاة حماية البيئة والأطباء من نقص الاحتياطات.
من جهته، يشير مدحت هوشا (64 عاما) الذي يملك متجرا للخضر في وسط صمنداغ إلى أن الأطفال هم أول من يتأثرون قائلا: "إنّهم يسعلون، ونحن أيضا. وبمجرد أن يكون الجو عاصفا يصبح كل شيء مغطى بالغبار".
ويقول محمد يازشي وهو متقاعد يبلغ 61 عاما كان يقود دراجة بخارية: "علينا أن نغطي كل شيء، نمسح الطاولة من 15 إلى عشرين مرة في اليوم. علينا أن نفعل ذلك كل نصف ساعة".
أما ميشال عتيق مؤسس ورئيس جمعية حماية البيئة في صمنداغ، فيقول: "نجونا من الزلزال ولكن هذا الغبار يقتلنا، سنموت بسبب أمراض الجهاز التنفسي ومن سرطان الرئة في ظل كل هذه المواد الخطرة".
- مواد الإسبستوس والرصاص
الطبيب علي كاناتلي الذي يتخذ من حاوية بيضاء مقرا لعيادته في وسط إنطاكيا التي تبعد 26 كيلومترا عن صمنداغ، يتحدث عن استقبال كثير من الأشخاص المصابين بالملتحمة، وتفشي الحساسية والربو والتهاب الشعب الهوائية.
ولكن ما يشغل بال كاناتلي ممثل نقابة أطباء تركيا في محافظة هاتاي، هي المواد الخطرة الموجودة في الأنقاض المتناثرة في الأتربة والعواقب الصحية الطويلة المدى، بما في ذلك تفشي السرطانات.
لم تحظر تركيا الأسبستوس إلا في وقت متأخر، في العام 2013، ومعظم المباني المتضررة تعود إلى ما قبل تلك الحقبة.
ويقول الطبيب: "إضافة إلى الأسبستوس، هناك رصاص في الطلاء، ومعادن ثقيلة من بينها الزئبق في المعدات الإلكترونية مثل أجهزة التلفزيون والأجهزة المنزلية".
ويشير الطبيب إلى مكب آخر إشكالي في شرق إنطاكيا، هو عبارة عن واد من أشجار الزيتون عند سفح جبال النور التي تطل على المدينة.
مع وجود نحو 17 مليون شجرة زيتون (في العام 2021، وفقا لغرفة الزراعة في هاتاي)، كان زيت الزيتون هو المصدر الرئيسي للدخل في المحافظة.