مغامرة اقتصادية .. بوتان تراهن بكل ثقلها على سياحة "مشفرة"

مغامرة اقتصادية .. بوتان تراهن بكل ثقلها على سياحة "مشفرة"

في قلب جبال الهيمالايا، تخوض بوتان، المملكة الصغيرة التي لطالما عُرفت بمفهوم "السعادة الوطنية الشاملة"، مغامرة اقتصادية جديدة قد تعيد رسم ملامح السياحة والثروة الوطنية: العملات الرقمية.

في خطوة فاجأت جيرانها وأثارت إعجاب رواد التكنولوجيا المالية حول العالم، أطلقت بوتان مبادرة غير مسبوقة تتيح للسياح دفع تكاليف رحلتهم بالكامل بالعملات المشفرة، من تأشيرات الدخول وتذاكر الطيران إلى الإقامة والدخول إلى المواقع التراثية.

وحسب ماذكرت "ساوث تشاينا مورنينج بوست"، فقد لاقت هذه المبادرة، التي تدعمها منصة بينانس باي وبنك دي كي الرقمي بالكامل في البلاد، رواجا سريعا، حيث يشارك فيها الآن أكثر من ألف بائع، بزيادة عن 100 بائع فقط قبل شهرين تقريبا.

بحسب ريتشارد تينغ، الرئيس التنفيذي لمنصة بينانس، فإن النظام يعمل بسلاسة لكل من البائعين والسياح. حيث يقوم الزائر بالدفع بالعملات الرقمية، بينما يحصل التاجر على مستحقاته مباشرة بعملة البلاد "نغولترم"، محميا من تقلبات السوق.

وقال تينج بعد زيارته لبوتان لحضور إطلاق الخدمة في يونيو، "إن حجم التبني والاعتماد يدل على الكثير"، مضيفا أن "هذه طرق دفع أكثر فاعلية بكثير من الطرق التقليدية، إنها أرخص وأكثر أمانا، نشهد إقبالا أكبر بكثير على هذه التقنية الجديدة هنا".

وبالنسبة إلى أمة لم ترحب بالتلفزيون والإنترنت إلا في مطلع الألفية، فإن قفزة بوتان نحو الأصول الرقمية لا تقل عن كونها استثنائية.

بدأت شركة دروك القابضة والاستثمارات، وهي الذراع الاستثماري للحكومة، تعدين البيتكوين في وقت مبكر من 2018، مدعومة بالطاقة الكهرومائية الوفيرة في المملكة. واليوم، تحتل بوتان المرتبة الخامسة عالميا من حيث احتياطي الحكومات من البيتكوين، بقيمة تقدَّر بنحو 1.28 مليار دولار.

واستخدمت الحكومة هذه الثروة الرقمية لتلبية أهداف اجتماعية، ففي 2023، تم بيع بيتكوين بقيمة 100 مليون دولار لتمويل زيادة 50% في رواتب موظفي الدولة، ما أسهم في خفض الاستقالات من 1900 في الربع الأول من 2023 إلى 500 فقط في 2024.

لكن الخبراء يحثون على توخي الحذر. ويحذرون من أن تقلب العملات المشفرة يمكن أن يحول المكاسب غير المتوقعة إلى خسائر بين عشية وضحاها حتى وإن كان نهج بوتان مدروس وغير ارتجالي.

ويأتي مشروع السياحة المشفرة كجزء من خطة لإنعاش هذا القطاع، الذي لم يحقق هدفه في 2023 حين استقبل 145 ألف زائر من أصل 150 ألفًا مستهدفة.

وتهدف بوتان إلى مضاعفة عدد الزوار وزيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي من 5% إلى 20%. ولجذب السياح من جيل الشباب ومحبي التكنولوجيا، تم خفض رسوم السياحة اليومية إلى 100 دولار حتى 2027، مع الاعتماد على شبكة بينانس التي تضم 40 مليون مستخدم.

بحسب تقرير مشترك بين بينانس وموقع ترافالا، فإن السياح الذين يستخدمون العملات الرقمية ينفقون أكثر من غيرهم بمرتين في المتوسط، ويميلون إلى حجز رحلات أطول.

التحوّل لم يشمل المدن فحسب. ففي الريف، مثل قرية بوناخا، يُمكن للزوار الدفع عبر رمز QR حتى في المطاعم والمنازل الريفية.

رانغريك وانغدي، سيدة مسنّة تدير نزلًا في قريتها، فتضحك وهي تري رمز بينانس على جدار منزلها قائلة: "أنا كبيرة في السن ولا أفهم العملات الرقمية، لكن لا أريد أن أُستثنى من المستقبل".

مع ذلك، يدرك المسؤولون البوتانيون الحاجة إلى التدريب والمراقبة. ستعمل "مدينة جيليفو للتأمل" مشروع مدينة ذكية مُخطط له بالقرب من الحدود الهندية –كمختبر لاختبار تنظيم العملات الرقمية، ولن يُسمح سوى بالرموز المعترف بها من جهات موثوقة، وستُكلَّف جهاتٌ وسيطةٌ مثل بينانس بإجراء فحصٍ دقيقٍ وشامل.

بينما تُراهن بوتان على مستقبلها بالعملة الرقمية، يراقب العالم إذا نجحت التجربة، فقد حملت لواء نوع جديد من الازدهار، وهو ازدهار يستخرج من الماء والابتكار وقليل من الجرأة في أعالي جبال الهيمالايا.

الأكثر قراءة