التوظيف .. احتيال عابر للحدود
هناك أدلة متزايدة ومنتشرة في جميع أنحاء العالم على تزايد حالات الاحتيال في التوظيف، واتسعت دائرتها بشكل واضح وكثرت قضاياها، ففي الولايات المتحدة ارتفعت عمليات الاحتيال في التوظيف، وبلغت حالات الإبلاغ أكثر من 21 ألفا في الربع الثالث من 2021، وأن عمليات الاحتيال في التوظيف كانت ثالث أكثر الفئات خطورة، إضافة إلى وجود 14 مليون شخص في الولايات المتحدة وكندا مستهدفين سنويا بحيل التوظيف. وتكشف الأرقام الصادرة عن مفوضية التجارة الفيدرالية الأمريكية عن أكثر من 92 ألف عملية احتيال في الوظائف والأعمال التجارية في 2022، مع الإبلاغ عن خسارة 367 مليون دولار، وهو مبلغ أعلى بكثير من 209 ملايين دولار في 2020.
وتشير التقارير غير الرسمية إلى أن المبلغ قد يصل إلى ملياري دولار من الأموال المنهوبة من خلال هذا النوع من الاحتيال، ليس هذا في الولايات المتحدة فقط بل في العالم أجمع. وتراوح الخسائر الشخصية جراء عمليات الاحتيال ما بين 200 ألف و1.6 مليون دولار. وبحسب هيئة المنافسة الأسترالية، خسر الأستراليون أكثر من 8.7 مليون دولار في عمليات احتيال التوظيف في 2022. فالمحتالون يستغلون دون رحمة حاجة الإنسان إلى العمل، ويقدمون له كثيرا من الإغراءات بشأن وظيفة الأحلام وفرص العمل التي لن تتكرر في الشركات العالمية والعلامات التجارية المشهورة.
ومع لهفة الحصول على الوظيفة يتنازل المتقدم لها عن كثير من الحصافة اللازمة بشأن التأكد من مصداقية العرض والموقع، والشخص، ولماذا عليه أن يدفع مقابل إجراء المقابلة أو إرساله المستندات أو فتح الملفات، ومع ذلك فإنه من الصعب إلقاء اللوم على الباحث عن الوظيفة، إذ إن هؤلاء المخادعين يطورون أدواتهم باستمرار، وبشكل يجعل من الصعب التمييز بين العرض الصادق والمخادع. ومن أبرز الأساليب الاحتيالية تقليد بنية المواقع الإلكترونية للشركات العالمية المشهورة. ويتزايد حجم الاحتيال مع توسع فرص العمل عن بعد، حيث أصبح من السهل جدا على المحتالين أن يستغلوا الباحثين عن هذا النوع من الوظائف. ومن الجدير بالذكر أنه لا توجد مناطق آمنة، فموقع شهير مثل "لينكد إن" يعترف بزيادة عدد عمليات الاحتيال ومدى إتقانها على منصته، حيث تمت إزالة 32 مليون حساب مزيف في 2021 سعيا لتقليل عمليات احتيال التوظيف التي تراها المنصة.
التقارير المختلفة عن حالات الإبلاغ تؤكد أن المحتالين يزدادون ذكاء، بل التجارب تظهر أن المحتالين من فئة عالية التعليم، ولديهم إتقان كامل للمصطلحات الخاصة بالصناعة التي يستهدفونها، وهم يأتون من خلال كل الوسائل المتاحة سواء الهاتف أو الواتساب، ومن خلال الإيميل، ومن تلك الطرق أيضا إرسال روابط خبيثة وخداعة، تأخذ المعلومات السرية كاملة، من بينها أرقام الحسابات وبيانات البطاقات، وغير ذلك، ولأن العرض يبدو مغريا، والخداع محكم، فقد يقدم الضحية كل هذه المعلومات طوعا من أجل الفوز بالفرصة في الشركة العالمية والعرض السخي.
ويحذر رئيس ثقة العملاء في شركة متخصصة بالهوية الرقمية، من خطر تزايد عمليات احتيال الوظائف المزيفة، مع إمكانية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي وأدوات آلة التعلم المنطقي للذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت، التي تجعل إعلانات الوظائف المزيفة ورسائل البريد الإلكتروني من المجرمين أكثر واقعية، التي تستهدف تركيبة سكانية معينة للضحايا، فهجمات الاحتيال أصبحت تعد بعناية أكثر بل يتم عقد مقابلات حقيقية عبر برنامج سكايب، بل وصل الأمر إلى تحذير المفوض السامي البريطاني لدى الهند، من أن المحتالين يستخدمون اسمه لإقناع الأفراد بتسليم المعلومات والأموال للحصول على تأشيرات عمل في المملكة المتحدة.
خلاصة القول، إنه لا أحد اليوم في أمن من مخاطر الاحتيال في التوظيف، وترتفع هذه الاحتمالية كلما ارتفعت مستويات التنافسية على الوظائف والرواتب، واختلفت المزايا بين الجهات والشركات بشكل يجعل الموظفين يبحثون يوميا عن عروض جديدة للتوظيف بمزايا أفضل، وهو ما يجعلهم فريسة سهلة للوقوع كضحايا للاحتيال العابر للحدود، حيث إن البرامج التي تسهل إجراء المقابلات عن بعد لا تمكن الضحية من تعيين مكان المقابلة الحقيقي، ولا تمكنه من التأكد من الهوية ومصداقية العرض، ولا توجد معالجة شاملة لهذه المعضلة المتنامية، إلا من خلال التزام الحذر الشديد، فالأشخاص الذين نشرت تصريحاتهم بعد التعرض لمحاولات الاحتيال عبر التوظيف تم التزامهم بالحذر، ولا شيء يمكن التوصية بشأنه في هذا الخصوص أكثر من قيام الشخص الذي تعرض عليه الوظائف بمزيد من البحث والتواصل مع الشركات والموارد البشرية فيها للتأكد من أن العرض المنشور في صفحات "لينكد إن" صحيح، وأن الإعلانات المنشورة في تويتر والواتساب حقيقية، كما أنه لا بد من التحقق والتدقيق قبل الدخول على أي رابط أو إرسال أي معلومات شخصية.