Author

التجديد الاقتصادي

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

يعاني النظام الاقتصادي العالمي الحالي عيوبا عديدة، مثل التفاوت الاقتصادي الشاسع بين الدول الغنية والدول الفقيرة، ولم ينجح النظام الاقتصادي الحالي في مساعدة العالم للخروج أو التخفيف من تفاوت دخل الأفراد الذي يؤدي إلى غياب العدالة الاجتماعية، وتشكل مجموعات طبقية غنية تتوسع على حساب الطبقات الأخرى. ويرجع الأمر إلى العيوب في السياسات النقدية، فالتوسع فيها يزيد من المعروض النقدي، وبالتالي إلى التضخم، وفي حالات كثيرة يدمر قيمة النقود ومدخرات الأفراد، وفي الوقت نفسه نلاحظ أن تأثير عدم اليقين أدى إلى عدم الثقة بين المستثمرين والمستهلكين، ولهذا الأمر تأثير سلبي في النمو الاقتصادي. كما أن السياسات النقدية في النظام الاقتصادي الحالي لها انعكاسات سيئة على الأطراف الأضعف في المجتمعات، مثل العاطلين والمتقاعدين، وزيادة البطالة في الدورات الاقتصادية الهابطة وفقر المتقاعدين.
أما إذا ما فحصنا السياسات المالية وعيوبها، فإن الديون العامة -على سبيل المثال- تؤدي إلى تفاقم المشكلات المالية، وخدمة الدين تؤدي إلى عجز مالي يؤثر في المشاريع الأساسية للدول، وإنفاق الحكومات للأموال. ويمكن القول إن أخطر عيب في السياسات النقدية والمالية، هو فشل تحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستقرار المالي، حيث ترتفع الأسعار وتتحرر الأسواق بشكل غير منتظم وجميعها تؤدي إلى التشويش على الإنتاجية.
وهناك أيضا مجموعة من السياسات الأخرى، وتشمل السياسات التجارية، مثل الجمركية وتحرير التجارة والاتفاقيات الحرة وغيرها وسياسات التشغيل والبطالة، ومع الأسف أن جميعها تعاني عللا هيكلية داخل النظام الاقتصادي الحالي.
تعد جميع السياسات الاقتصادية من أهم الأدوات التي تستخدمها الحكومات والبنوك المركزية في تحقيق الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي، ومعالجة الفجوات التنموية والاجتماعية، ولا يمكننا تجاهل ما قدمته خلال القرن الماضي، إلا أن العالم يسير نحو الانقسام الاقتصادي ولمجموعات إقليمية اقتصادية لتجنب مشكلات النظام الاقتصادي الحالي، ولعل أشهر مجموعة اقتصادية هي "بريكس" التي تحاول، "أي المجموعة"، الانفكاك من آثار سياسات الدولار وتحقيق الحماية التجارية وتحول عملاتها لاحتياطيات.
نظريا وعمليا، لا يمكن الانفكاك عن النظام الاقتصادي الحالي، لكن العالم بحاجة إلى لمسات تجديد تعيد التوازن له، وتمنحه فرصة جديدة لخدمة البشرية. ولعل أهم تلك العناصر الجوهرية، إضافة سياسات الاستدامة إلى جميع السياسات الاقتصادية بلا استثناء، مثل سياسات النمو المستدام والسياسات النقدية المستدامة والمالية كذلك، ودخل الأسرة المستدام والوظائف المستدامة. أعتقد أن العالم يدرك خطورة تشكل نظام اقتصادي جديد، ولا سيما أنه لا يوجد أي نموذج يمكن الوثوق به للقيام بالدور الذي يؤديه النظام الاقتصادي الحالي.
أخيرا، مهما كان صناع السياسات الاقتصادية بارعين لا يمكنهم تلافي مخاطر النظام الاقتصادي، لكن إذا ما اتفق العالم على مبدأ الاستدامة في جميع السياسات الاقتصادية ووفق ممارسات متفق عليها، سنعطي مساحة إضافية إلى علماء الاقتصاد لابتكار أدوات جديدة للإدارة الاقتصادية، فجميع الأزمات المالية والاقتصادية كانت قرارات اقتصادية غابت عنها مبادئ الاستدامة.

إنشرها