Author

حوافز خاصة لمناطق خاصة

|

عادة ما يتم التمييز بين أنواع عدة من المناطق الاقتصادية الخاصة، بأنها تشمل "مناطق التجارة الحرة" FTZ وهي داخل نطاق معين، معفاة من الرسوم الجمركية، وتوفر مرافق التخزين والتخزين والتوزيع للتجارة وعمليات إعادة الشحن وإعادة التصدير. وهناك "مناطق تجهيز الصادرات"، وهي مناطق صناعية تهدف في المقام الأول إلى جذب الاستثمارات الموجهة للتصدير، ثم هناك "المناطق المتخصصة" SZs وهي تستهدف قطاعات أو أنشطة اقتصادية محددة، مثل مجمعات البتروكيماويات أو التقنية وما إلى ذلك، ويتم تقييد وصول الشركات في القطاعات غير ذات الأولوية، ويتم تصميم بنيتها التحتية في الغالب وفقا لأهدافها القطاعية.
ووفقا لدراسة حول سياسات الاستثمار، صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية، فهناك المناطق الاقتصادية الخاصة SEZs وهي أكبر، ويمكن اعتبارها مدنا بمفردها، وعادة ما تغطي جميع القطاعات الصناعية والخدمية وتستهدف الأسواق الخارجية والمحلية، وتحتاج إلى حوافز كثيرة ما بين ضريبية إلى تنظيمية. وهذا النوع الأخير من المناطق، بحسب التجارب العالمية المختلفة، يسهم بوضوح في توسيع قاعدة التصنيع الاستراتيجي ليشمل مختلف مناطق احتياجات التنمية والسياق، لكنه يتطلب شرطا لازما للنجاح فيه، هو أن يتم وفقا لإطار عمل مخطط له بوضوح ويمكن التنبؤ به، مع وجود دعم يتجاوز مجرد توفير البنية التحتية، بل يتضمن التمويل الذي يمكن التنبؤ به ليتمكن المستثمرون من التخطيط على المدى الطويل.
وتعد التجربة الإندونيسية واضحة في هذا الصدد، فقد تم الإعلان في 2022 عن 19 منطقة اقتصادية خاصة في إندونيسيا، 12 منها قيد التشغيل والباقي في مرحلة البناء، وتعهدت الحكومة الإندونيسية بجعل هذه المناطق جاذبة للاستثمار الأجنبي من خلال برامج الحوافز الضريبية المختلفة من قبل وزارة المالية الإندونيسية، شملت هذه الحوافز الضريبية إعفاءات من ضريبة الدخل، وضريبة القيمة المضافة VAT، ورسوم الاستيراد، وضريبة المبيعات على السلع الكمالية، ورسوم الإنتاج.
وعلى هذا الصعيد، انطلقت التجربة السعودية الحديثة في تعزيز وتنويع النشاط الاقتصادي، عندما أطلق الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في رمضان الماضي برنامج المناطق الاقتصادية الخاصة، في إطار تشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية في المملكة، وأشار إلى أن المناطق الاقتصادية الخاصة تشكل منصات لوجستية وصناعية متكاملة، وتسعى المملكة من خلالها إلى ترسيخ مكانتها كمنطقة محورية في العالم تربط قاراته الثلاث، كما تستهدف رؤية المملكة 2030، وتحويل المملكة إلى وجهة عالمية للاستثمار، ومركز حيوي يدعم سلاسل الإمداد العالمية، ولذلك فإن هذه المناطق مختارة بعناية من أجل أن توفر شبكة من المواقع الاستثنائية والتنافسية في المملكة العربية السعودية، وتمثل ثروة من الفرص لنمو الأعمال والنجاح، وليست بمعزل عن الحراك التنموي والحضاري في المملكة، بل إن بعضها يقع في مدينة الرياض نفسها، وهي المنطقة الاقتصادية الخاصة للحوسبة والسحابية والمعلوماتية، وبذلك ستستفيد الشركات في هذه المناطق من توافر حزمة من الممكنات القائمة ابتداء في تلك المناطق، من بينها توافر قطاع خدمات مالية ناضج ومستقر تاريخيا وقويا، مع سوق رأس المال النشط، ما يوفر الوصول إلى مجموعة واسعة من التمويل ورأس المال اللازم للنمو لدعم متطلبات المستثمرين، وهذه صفة أساسية لبناء منظومة المناطق الاقتصادية الخاصة.
ولأن الممارسات العالمية الناجحة تتطلب توفير حوافز ضريبية وتنظيمية جاذبة، فقد صرح وزير المالية السعودي بتوفير حوافز ضريبية متنوعة لمستثمري المناطق الاقتصادية، من بينها توفير إعفاءات دائمة من ضريبة التأمينات الاجتماعية لصاحب العمل، وإعفاء دائم من ضريبة القيمة المضافة للمعاملات بين الشركات في المنطقة الاقتصادية وبين الشركات في مختلف المناطق الاقتصادية، كما سيتم العمل على أن تكون هذه التخفيضات الضريبية لمدة 20 عاما حتى يستطيع المستثمرون التخطيط للمدى الطويل، وهذه خاصية تعد من أهم خصائص المناطق الاقتصادية الخاصة، وهي حوافز تمكن من التخطيط طويل الأجل، فكما ذكرنا أعلاه أن وجود إطار عمل مخطط له بشكل واضح ويمكن التنبؤ به مع وجود دعم يتجاوز مجرد توفير البنية التحتية بل يتضمن التمويل والحوافز الضريبية التي يمكن التنبؤ بها ليتمكن المستثمرون من التخطيط على المدى الطويل، كل هذه العناصر تعد أساسية لنجاح التجربة، وقد أعلن منتدى الاستثمار في المناطق الاقتصادية الخاصة استثمارات جديدة بأكثر من 27 مليار ريال، ما يشير إلى أن النموذج السعودي سيكون مبشرا بكثير من النجاح والازدهار. ولأن الأمير محمد بن سلمان قد وعد بأن تتمتع المناطق الاقتصادية الخاصة بنظم تشريعية ولوائح خاصة من شأنها أن تجعل هذه المناطق من الأكثر تنافسية في العالم لاستقطاب أهم الاستثمارات النوعية، وتتيح فرصا هائلة لتنمية الاقتصاد المحلي، واستحداث الوظائف، ونقل التقنية، وتوطين الصناعات، فقد أعلن وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، إعفاء المناطق الاقتصادية الخاصة من متطلبات السعودة، لافتا إلى أن طبيعة المناطق الاقتصادية الخاصة التي تم الإعلان عنها تستهدف جذب الشركات العالمية في بعض الصناعات، التي تكون في مراحلها الأولى وتريد الانتقال إلى المملكة. كما سيحصل المستثمرون على الحوافز من صندوق تنمية الموارد البشرية إذا اختاروا توظيف سعوديين، وبذلك فإن فرص العمل ستكون أكثر، وفرص نقل المهارات ستكون أعلى في أربع مناطق اقتصادية خاصة، تمثل فرصة واعدة للانضمام إلى أهم الشركات العالمية لإطلاق ابتكارات جديدة، وتوسيع الأعمال في القطاعات الأساسية والناشئة ضمن مواقع استراتيجية عبر المملكة.

إنشرها