السلع عقبة أكبر اقتصاد

ليس واضحا تماما إلى أين يتجه الاقتصاد الأمريكي في هذه المرحلة الحساسة، وإلى أين سيصل على المدى البعيد. فرغم كل المؤشرات الإيجابية التي حدثت على الساحة المحلية في الولايات المتحدة، بما في ذلك انخفاض التضخم، وارتفاع وتيرة التشغيل، ورغم الوضع الاقتصادي الأفضل بين اقتصادات الدول المتقدمة الأخرى، فإن هناك أسئلة كثيرة يتم طرحها حول اتجاهات أكبر اقتصاد في العالم، ولا سيما على صعيد التحولات، التي تحدث بالفعل، التي تعود إلى ما قبل الأزمة الاقتصادية العامة، التي يمر بها العالم منذ جائحة كورونا، فضلا عن الخلافات الموسمية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بشأن رفع سقف الدين. فمثل هذه الخلافات تسهم بصورة أو بأخرى في زعزعة الثقة لدى الأمريكيين بالدرجة الأولى، لكنها تبقى حالتها عابرة، فيما لو قيست أو قورنت بغيرها من التحولات.
المسألة تتعلق بالدرجة الأولى، بتراجع مكانة الولايات المتحدة على صعيد تصدير السلع والخدمات، مقابل ارتفاع حصة دول في المنطقة الآسيوية وفي مقدمتها بالطبع الصين. كان النمو على الساحة الأمريكية يتعزز بالدرجة الأولى من خلال قطاع التوريد للخارج، وكان يستند إلى أسس صلبة، على رأسها توافر التمويل اللازم ووجود محوري للتكنولوجيا المتقدمة. فهذه الأخيرة تمثل حجر الزاوية في الولايات المتحدة، وستبقى كذلك لفترة طويلة جدا. إلا أن صعودا قويا من شرق وجنوب شرق آسيا، والحصول على حصة متصاعدة من إجمالي تصدير السلع، بدأ يؤثر بوضوح في الأداء الأمريكي في هذا القطاع المهم، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار ارتفاع تكاليف الإنتاج في الولايات المتحدة، رغم كل القدرات الأمريكية الخاصة بهذا الشأن.
ومسألة التحولات الخاصة بوتيرة صادرات السلع الأمريكية، تطرح حقيقة أن النمو سيكون مستندا إلى الطلب المحلي الأمريكي في كل الولايات. وهذا أمر جيد للوهلة الأولى، لكن ذلك سيقود مع الوقت إلى ارتفاع معدلات التضخم محليا. ومع ذلك، يمكن للاقتصاد الأمريكي أن يحقق بعض القفزات النوعية في المستقبل على صعيد تكريس حقيقة أنه قادر على البقاء خارج دائرة الركود، في حين لم تفلح اقتصادات مشابهة في هذا المجال. ولا بد من الإشارة إلى أن التضخم على الساحة الأمريكية تراجع إلى النصف تقريبا في فترة زمنية ليست طويلة، نتيجة سياسات التقييد المالي، التي اتبعها المجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" كغيره من البنوك المشابهة الأخرى حول العالم.
وهذا يعني، أن اقتصاد الولايات المتحدة يمكنه التعايش مع ارتفاع أسعار المستهلكين الآتية من زيادة الطلب على السلع محليا. وهذا يعزز حقيقة أن هذا الاقتصاد بإمكانه الإفلات من الركود والحفاظ على نمو مقبول في المدى البعيد، خصوصا أن احتمالات دخوله في ركود فعلا تراجعت، وفق المؤسسات المختصة من 50 إلى 35 في المائة.
الحقيقة الراهنة أن هناك قلقا تصاعدا في الأوساط الأمريكية من مغبة تراجع نفوذ الولايات المتحدة على الساحة الاقتصادية الدولية عموما. وهناك مؤشرات عديدة في هذا المجال، يعترف حتى مسؤولين أمريكيين بها. لكن تبقى قوة الاقتصاد الأمريكي ضامنة إلى حد ما اتجاهاته على المدى المتوسط على الأقل، فقدرته على المرور بأزمات بأقل الأضرار الممكنة موجود.
وتتوقع آراء أخرى، أن يعود أكبر اقتصاد في العالم إلى مساره الذي كان عليه في 2010، عندما كان النمو بطيئا والتضخم منخفضا وأسعار الفائدة مغرية للاستثمارات بشكل عام، والشركات تتمتع بهوامش ربح قوية. لكن مسألة توريد السلع تبقى حاضرة حتى إنها أضافت نوعا من الحيرة لدى المراقبين للشأن الأمريكي عموما. فالنمو المقبل الذي يعتمد على الداخل، له روابطه التضخمية التي لا تريد أي إدارة أمريكية أن تظهر على الساحة على الأقل في المرحلة المقبلة، حتى لو كان اقتصاد البلاد قادرا على احتوائها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي