Author

استثمار مسايرة الآخرين

|

الاقتصاد، سواء كان شخصيا، أو على هيئة شركة في سوق مفتوحة، كما في المملكة يخضع لقانون المنافسة، والمنافسة الحادة جدا، بهدف البقاء على قيد الحياة وعدم الإفلاس والخروج النهائي من السوق، والمراقب للنشاطات الاقتصادية على مستوى المنشآت الصغيرة، والمتوسطة التي انتشرت نطاقها ودائرتها وعناوينها في الشوارع والأسواق، وتغير هذه المسميات، وفي فترات قصيرة لا تتناسب مع الأموال التي أنفقت فيها، وكأن الأمر لا يعدو كونه موضة ركبها الراغبون في الاستثمار، دونما جهد بذل في البداية لمعرفة الحاجة في السوق، وواقعها في هذا النشاط.
المقاهي، أو ما يطلق عليه في التصريف اللغوي في الإنجليزية الكافيهات بدأت في بدايتها قبل ما يقارب العقدين بنماذج عالمية لها وكلاء محليون، أو إقليميون، وأصبحت منتجاتها حديث المجالس إشادة، وتلميحا، إن لم يكن تصريحا عن ارتيادها في إشارة إلى المستوى الاجتماعي للمتحدث بشأنها، حتى تحول ارتيادها، وحمل أكوابها في الأسواق، والطرقات إلى ما يشبه الظاهرة السلوكية الاستهلاكية، غير الواعية، خاصة للشباب، واليافعين، رغم ارتفاع أسعار المنتجات، وزيادتها مع الوقت، نظرا إلى الإقبال الشديد عليها، وكأن الفرد يثبت بهذا المظهر السلوكي قدرته المالية، وفوق هذا المستوى الاجتماعي، والاقتصادي له.
منتجات المقاهي متمثلة في المشروبات الساخنة بالأخص، وفي مسمياتها المتعددة، ووجباتها الخفيفة، إن صحت تسمية وجبات خفيفة، لا يمكن وصفها بالحاجة الضرورية التي يستحيل العيش دونها، لكنها فرضت نفسها في السوق لتتحول إلى ما يشبه الحاجة الضرورية، وهذا ما يستدعي مناقشة التفكير الاستثماري لدى البعض، بطرح أسئلة مثل، هل النشاط إبداعي أم تقليدي؟ أي عبارة عن مسايرة، ومجاراة، أو تقليد أعمى لموجة من موجات التغير الاجتماعي التي يمر بها أي مجتمع، وليس مجتمعنا بمنأى عن هذه التغيرات التي لا يمكن وصفها بالكونية، بقدر اعتبارها ظاهرة اجتماعية محدودة بالظروف الاقتصادية، والثقافية، والسياسية الخاصة، أو المحيطة، وربما العابرة للقارات، والمحيطات، خاصة المحيط الأطلسي، أو ما يعرف ببحر الظلمات.
في الآونة الأخيرة قاد الطموح المستثمرين الشباب، والكهول إلى إبداع مسميات لمقاه جديدة تنافس الموجود في الساحة، سواء ذات الماركات العالمية، أو المحلية، حتى إن مسمياتها تلفت النظر أينما وجدت ليكون السؤال هل تصمد هذه المنشآت الصغيرة في وجه الحيتان الوافدة، أم أن مصيرها الخسارة والاختفاء؟
التوجه الجديد في نشاط المنشآت الصغيرة ما يعرف بمقاهي الشاي، حتى أضحى التبدل في المسمى، ومنتجات الشاي تنافس مقاهي القهوة، ويمكن للمراقب أن يعد ذلك انقلابا في نوع الاستثمار، ولو كان شكليا فجوهر الأمر طبيعة المنتج هو شكلي ويساير رغبة وذوق المستهلك المؤقت والأمر لا يعدو كونه ظاهرة، أو طفرة في السلوك الاقتصادي تصعب معرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك. من الظواهر التي لفتت انتباهي امتلاك الإبل، ليس على مستوى الملاك المتاجرين بها بيعا، أو في مشاركات مسابقات الهجن، ومزايينها بل على مستوى الأفراد العاديين الذين يستمتعون بالحديث عن أنواعها، وخصائصها، وقضاء الوقت في العناية بها.
هذه التحولات في اقتصادات السوق على مستوى الأفراد، والمنشآت الصغيرة لا يمكن تفسيرها بمعزل عن قانون السلوك المعروف بالمسايرة، والإذعان الطوعي الذي يحكم كثيرا من الناس، ويحولهم إلى عقلية مختلفة، وهذا ما تنبه إليه متخصصو الاقتصاد السلوكي، إذ يمكن من خلاله إيجاد نشاطات اقتصادية جديدة تتخطى الحاجات الأساسية إلى الحاجات الثانوية، وتجعل منها حاجات أساسية تلح على البعض لتلبيتها من خلال قدح قهوة، أو شاي يتم التعامل معه بطريقة الدعاية الموجهة، وغير الموجهة، والملاحظ من السلوك الاجتماعي العام كفيل بتغيير السلوك، وإيجاد احتياجات، أو تحويل أشياء إلى احتياجات أساسية.

إنشرها