قمة العرب في بيت العرب
تمثل القمة العربية العادية التي تعقد في جدة في دورتها الـ32، نقطة تحول مهمة ومحورية على صعيد العمل العربي المشترك، ومن ناحية الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية في كل الميادين، من أجل تعزيز استقرار المنطقة، والعمل المستمر للوصل إلى استدامة استقرار في وجه المستجدات والمتغيرات الإقليمية والعالمية على حد سواء. وتحقيق الغايات المطلوبة للشعوب العربية نحو أفق مستقبلية وتطلعات وآمال. وتعقد هذه القمة في ظل تغييرات سياسية كبيرة تتطلب مزيدا من التضامن العربي ووحدة الصف لمواجهة عديد من الأخطار، وعلى رأسها الأمن الغذائي الذي أصبح هاجس دول العالم في ظل الحرب الروسية - الأوكرانية. هذه القمة ستشهد عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية بعد أجواء الانفتاح واتفاق الدول العربية على عودتها في ظل مبدأ خطوة بخطوة حيث يجب الاهتمام بتفاصيل هذا المبدأ.
فالرياض لم تتوقف يوما عن تحركها المستمر الذي يستهدف بالدرجة الأولى كل ما فيه خير للعرب والعالم، ولم تتأخر يوما في طرح المبادرات والمشاريع المعززة لتحقيق هذا الهدف السامي، الذي يعود بالفائدة أولا للشعوب العربية كلها، كما يضمن علاقات طبيعية مثمرة مع المجتمع الدولي. وكانت وستبقى الجهة الأكثر حرصا على التفاهمات لتحقيق المصالحة العامة، قبل أي اعتبارات أخرى. وقمة جدة، تأتي ضمن هذا المستهدف السعودي، الذي يستند إلى مكانة المملكة وتأثيرها وصدقها في التعاطي مع كل الملفات ذات الصلة، وتلك التي دخلت منذ عقود ضمن دائرة عدم اليقين. كما أنها تحصر في كل المراحل، على تكثيف التباحث والتنسيق حول كل هذه الملفات، لا شيء إلا لحل المشكلات العالقة، وتذليل العقبات التي تعترض الطريق. إنها سياسة راسخة ومتينة متجددة لبلد محوري على كل الساحات العربية والإقليمية والدولية.
ولا شك أن كل هذه الجهود والمخططات، ستمنح هذه القمة مزيدا من الوقود كي تحقق النجاح في وقت تحتاج فيه المنطقة العربية إلى الإنجازات، من أجل الانتقال إلى مراحل التنمية المستدامة، والاستقرار المنشود، والسلام الدائم والعادل لكل القضايا العادية والمعقدة. كما أنها ستكون منطلقا جديدا آخر للتعاطي العالمي مع المنطقة ككل.
القمة العربية الحالية، تأتي بعد خطوة مهمة أقدمت عليها السعودية عبر اتفاق إعادة العلاقات الطبيعية مع إيران، رغم أي اعتبار. فمثل هذه الخطوة تعد ضرورية لتحقيق الأهداف المرجوة وتخفيف الجراح على الشعوب العربية، وأيضا على صعيد منطقة الشرق الأوسط ككل. وهذا يؤسس أيضا لمرحلة جديدة من علاقات ظلت دائما متوترة بين الرياض وطهران، لأسباب معروفة. فالملفات والقضايا المطروحة كثيرة ومتشعبة وحتى معقدة، لكنها ليست مستحيلة الحل، إذا ما كانت الإرادة حاضرة عند الأطراف ذات الصلة. ومن هنا، فإن الجهود التي تبذل حاليا من قبل القيادة السعودية، تستهدف بالدرجة الأولى الوصول لحلول عاجلة وثابتة للأزمات المتفاقمة في كل من اليمن وسورية والسودان حيث تقود السعودية مع الجانب الأمريكي مشروع وساطة تعقد مفاوضات حاليا في جدة من خلال استضافة الطرفين المتنازعين في الخرطوم لإيجاد حل سريع وناجع للأزمة السودانية، فضلا عن المسائل المتعلقة بالشأن الفلسطيني دائما.
وكل نقطة تحققها هذه القمة لمصلحة دول وشعوب المنطقة، وهي في الواقع تستند إلى جهود بذلت على صعيد الأمن والتنمية بمشاركة دول كبرى ذات تأثير قوي في مجريات الأحداث العالمية كالولايات المتحدة والصين وغيرهما من دول العالم المؤثرة عموما. أي إن للقمة العربية الحالة لديها بعدها الدولي الضروري الذي يصون أيضا كل الأهداف بما في ذلك التي تسعى المنطقة لتحقيقها في مرحلة مقبلة. وعلى هذا الأساس، يمكن النظر إلى قمة جدة في دورتها الـ32 كمناسبة مختلفة عن كل المناسبات المشابهة الأخرى في السابق، لأنها تنعقد وسط جهود لا تتوقف وإرادة لا تستكين، من أجل مصلحة المنطقة أولا وأخيرا بكل روابطها الإقليمية والدولية.
التعاون والتفاهم والتباحث والتنسيق هي كلمات السر المعلنة في استراتيجية السعودية حيال المنطقة وغيرها. ولا شك أن الأطراف العربية تعي ذلك، وستعمل على أن تكون جزءا أساسيا من جهود تصنع تاريخا. ليس هنا مجال آخر سوى الحل السياسي لكل المشكلات، والتفاهم والحلول الوسط والتسويات. وكل شيء لن ينتج إلا مزيدا من التوتر والمشكلات وحتى الأزمات. فهذه القمة فرصة سانحة حقا للقادة العرب لمواجهة التحديات عبر التعاون الأخوي الصادق.
وتبقى الآمال منعقدة على القمة العربية التي تعقد في السعودية بيت العرب الجامع والواسع، التي تمثل رقما صعبا في السياسة العربية وأعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية للتخفيف من ويلات الحروب والمشكلات التي تجري على الأراضي العربية.