القرض وقيمة العقار .. مقياس المخاطرة
ثمة دلالات يمكن استخلاصها من نتائج الاستفتاء الذي نشره مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبوع الماضي، المتعلق بالوضع الائتماني لدى البنوك الأمريكية، الذي ربما يتشابه مع الوضع الائتماني لدى البنوك الخليجية بحكم الارتباط النقدي بين الاقتصادات الخليجية والاقتصاد الأمريكي.
يشير الاستفتاء بشكل جلي إلى تزايد الإحجام عن منح القروض وتشديد معايير الإقراض من قبل البنوك الأمريكية، والأسباب الرئيسة لاتخاذ البنوك لهذه الإجراءات هي تزايد عدم اليقين بشأن النظرة الاقتصادية المستقبلية، وتناقص شهية البنوك نحو المخاطر المالية، وتدهور قيم الضمانات فيما يخص القروض التجارية والصناعية، وارتفاع تكلفة الإقراض على البنوك بسبب ارتفاع تكلفة الودائع على البنوك، وأخيرا تزايد المخاوف بشأن السيولة نتيجة تراجع مستويات الودائع وازدياد احتماليات سحب الودائع.
من أهم المؤشرات التي تنظر إليها البنوك عند منح القروض العقارية هناك نسبة القرض إلى القيمة، التي تشير إلى انخفاض المخاطرة على البنك كلما كانت هذه النسبة متدنية، لكون ذلك يعني أن قيمة العقار كافية لتغطية قيمة التمويل فيما لو اضطر البنك لبيع العقار لاستعادة مبلغ القرض في حال تعثر العميل. اختلال نسبة القرض إلى القيمة يعني عدم وجود توازن بين قيمة القرض وقيمة العقار، فلو أن قيمة العقار انخفضت فسترتفع النسبة وتدل على زيادة المخاطرة على البنك، لذا ولكي تنخفض نسبة القرض إلى القيمة يجب أن ترتفع القيمة السوقية للعقار أو أن ينخفض مبلغ القرض.
في دراسة قام بها باحثون لدى البنك المركزي السعودي في 2015، تم تحديد عدة عوامل تؤثر في نسبة القرض إلى القيمة، منها أسعار الأراضي والعقارات، ونسبة تملك المساكن حيث يمكن، على سبيل المثال، السماح بنسبة أعلى من المعتاد في حال تدني نسبة امتلاك المساكن في الدولة، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية على وجه العموم. في السعودية تم تحديد نسبة القرض إلى القيمة بحسب لائحة نظام التمويل العقاري عند 70 في المائة، بحيث لا يتجاوز المبلغ المقترض 70 في المائة من قيمة العقار، وهذه النسبة قريبة لما هو معمول به في دول الخليج، عدا أنها لدى الإمارات وعمان 80 في المائة، وفي البحرين لا توجد نسبة محددة، وفي دول مجموعة العشرين تزيد النسبة على 80 في المائة.
وتختلف نسبة القرض إلى القيمة في التمويل العقاري التجاري عن السكني في كثير من الأحيان بسبب اختلاف المخاطر الائتمانية لكل فئة، غير أنه في الولايات المتحدة هناك هذه الأيام إحجام أكبر تجاه التمويل التجاري من قبل البنوك، إضافة إلى تراجع في حجم الطلب لهذا النوع من التمويل بسبب المخاوف الاقتصادية واحتمالية الركود الاقتصادي في الفترة المقبلة. يتم خفض نسبة القرض إلى القيمة من قبل المشرع عندما تكون هناك حاجة إلى السيطرة على ارتفاع أسعار العقار، نتيجة لكون النسبة المنخفضة تعني ارتفاع المبلغ الذي على العميل دفعه مقدما، ما يؤدي إلى خفض المبلغ المقترض من جهة ويؤدي إلى خفض الطلب على العقار نتيجة نقص القدرة الائتمانية للعميل.
تحديات كبيرة مقبلة على الشركات المتوسطة والصغيرة على وجه الخصوص بسبب تشدد البنوك في معايير الإقراض، وفي الوقت نفسه حتى تلك الشركات التي تستطيع الحصول على التمويل فستتحصل عليه بتكلفة فائدة عالية جدا مقارنة بالعام الماضي، حيث تجاوز معدل الفائدة الفيدرالي عقب آخر اجتماع للفيدرالي الأمريكي مستويات 5 في المائة، وهو الأعلى منذ 2007.
ولا يزال مجلس الاحتياطي الفيدرالي بانتظار مؤشرات اقتصادية مشجعة تشير إلى انحسار وتيرة ارتفاع الأسعار، على الرغم من بوادر توقفه عن رفع معدلات الفائدة لبقية العام. فمعدلات البطالة لا تزال متدنية، وهذا ما يشير إلى قوة النشاط الاقتصادي وبالتالي احتمال مواصلة ارتفاع الأسعار، إلى جانب أن أجور العمال لا تزال في ازدياد فهي الآن مرتفعة 4.4 في المائة عن العام الماضي. ارتفاع أجور العمال يعني ارتفاع التكاليف على الشركات وصعوبة تحقيق انخفاض في الأسعار تقريبا، علما أن آخر قراءة للتضخم تشير إلى ارتفاع الأسعار بنهاية نيسان ( أبريل) 2023 عن الشهر ذاته العام الماضي بنسبة 4.9 في المائة، ولكنها بطبيعة الحال أقل من مستوى 9.1 في المائة لنسبة التضخم في حزيران ( يونيو) 2022.