Author

أسبوع تفرغ علمي للطلاب من أجل القراءة

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

التاريخ هو أبو العلوم، وعندي هو العلم كله، حيث لا يمكننا فهم ما سيحدث في المستقبل "التنبؤ" إلا من خلال قراءة صفحات التاريخ لنعلم في أي اتجاه سارت الأحداث ولماذا سارت بهذا الشكل، ونستخلص من تلك التجارب قوانين عامة نحكم بها ونحتكم إليها، ثم نسمي هذه القوانين العامة في أي حقل من حقول المعرفة أنها العلم، فمثلا كيف عرفنا أن الهلال سيشرق يوم كذا من ذلك المكان قبل غروب الشمس بكذا دقيقة، إنها مجرد قراءة لتاريخ شروق القمر، ومن قرأ هذا التاريخ وتمعن فيه أدرك أنه "حتما" سيظهر في الوقت المحدد لأنه كان يفعل ذلك دائما في الماضي. البعض منا يمضي بعيدا في قراءة التاريخ فيكشف مثلا أنه في زمن ما في الماضي لم تسر الأحداث كما توقع الجميع، وهذا يجعل شروق القمر أمرا نسبيا وللفصل بين متى تحدث الظاهرة ومتى تعكس اتجاهاتها فإننا نحتاج إلى الرياضيات والإحصاء وهذه مهارات أكثر منها علم فلا صلة لها بالتاريخ. وخلاصة القول أن الشعوب لا تتقدم في العلم ما لم تكن قادرة على القراءة أولا وثانيا وثالثا.
اليوم يعيش الطلاب في زمن أصبحت فيه الاختبارات أكثر من القراءة، أكثر من التعلم نفسه، فما أن يبدأ الطالب في الدراسة حتى تأتيه الاختبارات من كل صوب وناحية، اختبارات تحديد مستوى من بعض الأساتذة، ثم اختبارات نصف الفصل ثم اختبارات نهائية للفصل وهكذا في كل فصل دراسي، ما يعني أكثر من تسعة اختبارات في كل مادة، وإذا كان لديه تسع مواد في متوسط الفصل الواحد فهناك أكثر من 36 اختبارا في العام الواحد، فكم بقي من أسابيع الدراسة للتعلم والقراءة؟ وليت الأمر يقف عند اختبارات المدرسة أو الجامعة، بل هناك في التعليم العام اختبارات أخرى منها ما هو تمكين، ومنها ما هو للتقييم، ومنها ما هو للتعليم الإلكتروني، غير استعدادات الطلاب لاختبارات القدرات العامة واختبارات التحصيل، ثم اختبارات اللغة الإنجليزية واختبارات تحديد المستوى في بعض الجامعات، واختبارات الذكاء وغيرها من الاختبارات التي قد لا يحصيها مقال. جهد جبار من أجل اختبار معرفة الطالب بينما لم يكن هناك وقت أصلا للحصول على هذه المعرفة أو تثبيتها، لا يوجد وقت للقراءة التي هي أصل العلم ومنبعه.
ليست الاختبارات وحدها التي تشغل الطالب عن العلم والقراءة، بل اليوم هناك في المدارس جهاد كبير اسمه المشاريع فلكل مادة مشروع، وهذا المشروع مما يقدره الأستاذ، مشاريع قد تكون بحثية في موضوع ما، أو تكون مشاريع رسم أو مشاريع داخل المدرسة، مشاريع قد لا يكون للقراءة والمتأنية أي دور فيها، بل مشاريع تضع الطلاب تحت ضغط رهيب لا فائدة منه، فلا هي تعلمه الانضباط المدرسي ولا المهارات التي في المادة ولا هي تعزز الاتصال ولا تحقق ناتجا واضحا من نواتج التعلم، فقط مشاريع لتبرر الحصول على الدرجة، وقد يجتمع عدد من الطلاب في مشروع واحد كفريق دون أدنى معرفة أو تدريب لكيفية إدارة الفريق والتقارير وغير ذلك، ولا توجد خطة واضحة ونماذج عمل لهذه المشاريع، كما ليست لها علاقة من أي باب بمكتبة الجامعة أو بمنافذ البحث فيها. وفوق كل هذا يأتي التطوع كنقاط للتخرج، ولا أشك في أهمية التطوع، لكن في ظل هذا الضغط الكبير فإنه يأخذ الحيز الباقي من فرصة التعلم والقراءة، والاطلاع.
لهذا كله فإنني أقترح على وزارة التعليم والجامعات تبني أسبوع للقراءة وذلك على غرار الجامعات الغربية والمدرسة البريطانية خاصة، فهناك أسبوع في كل تخصص بحيث يتفرغ الطلاب فيه تماما من الحضور إلى قاعات الدرس وبدلا من ذلك يذهبون إلى قاعات المكتبة، والهدف منه منح الطلاب فرصة للدراسة الذاتية، لمعرفة تخصصهم من خلال القراءة الحرة، ولهذا الأسبوع مزايا عدة منها استراحة مرحب بها من الاختبارات والقاعات الدراسية للاستمتاع بقراءة تحقيق أقصى استفادة للطالب، بعيدا عن تشتيت المنزل والمحاضرات وتمنح بعض الطلاب الوقت الكافي للحاق بالركب، فمن لديه مشروع بحثي استكمله، ومن لديه نقص في معلومات أو تأخر في محاضرات لم يكتبها أو مهارات استكملها، كما أنه فرصة لمنح الطلاب تدريبا كافيا على ترتيب المهام وجدولتها خلال أسبوع واحد. هذا الأسبوع ليس إجازة، بل الطالب يذهب للمدرسة وللجامعة ولكن في قاعات المكتبة وليس للحديث بل للعمل وفقا لجدول وضعه لنفسه وراجعه معه الأستاذ المشرف عليه، على الأستاذ مراقبة كل ذلك والتقرير عنه، ولأن المكتبة قد لا تتسع لكل الطلاب في وقت واحد فإن أسبوع القراءة يأتي بجدول بين المستويات والفصول في المدارس وبين الكليات والتخصصات في الجامعات، وقد تشارك المكتبات المركزية ومكتبة المدينة في ذلك.
ورغم أهمية هذا الأسبوع في عودة الطلاب للعلم والقراءة فإن هذا لا يعني عدم إعادة النظر في عدد وكمية الاختبارات التي أصبحت اليوم أكثر من فرص التعليم نفسها، فهناك اختبارات أكثر من عمر الإنسان ما بين اختبارات قبول واختبارات تحديد مستوى واختبارات نفسية واختبارات لغة واختبارات مهنية واختبارات قياس المخرجات والإنجاز، وهو ما يتطلب لجنة وطنية للنظر في كل هذا وتقنين الوضع الذي بدأ يخرج عن السيطرة فعلا.

إنشرها