Author

لماذا تفشل هذه الشركات؟

|

هناك شركات تعمل في قطاعات مزدهرة ولكنها تخسر أو تحقق معدلات ربح أقل بكثير من معدل منافسيها. السبب الشائع ـ والذي لا يخلو من الصحة ـ هو سوء الإدارة. لو عدنا إلى ما تذكره الأبحاث والمراجعات لوجدنا قائمة طويلة من الأسباب، يأتي في مقدمتها ضعف الإدارة، ويتبعها توافر التمويل والمنافسة والنقص المعرفي وتحديات التسويق والبيع وخدمة العملاء والظروف الاقتصادية. السبب الأخير قد لا ينطبق على الشركات التي تعمل في قطاعات مزدهرة ولكن الجميع معرض له وهو أحد الأسباب التي يصعب تفاديها.
من يدقق النظر في أسباب فشل هذه الشركات يجد أن الإدارة تدخل في كل الأسباب، وذلك لأن خيارات إنقاذ أي منظمة ربحية أو حمايتها من الفشل متنوعة ومتاحة ولا يحدها إلا نقص المهارة الإدارية وسوء التصرف مع الظروف المختلفة، هي في نهاية الأمر عبارة عن تعامل وقرار إداري سواء كان الظرف أو التحدي داخليا أو خارجيا. لهذا من الجيد أن يكون النظر إلى مشكلة الإدارة بمنظور شامل يبدأ من تعاملها مع الظروف الجيدة إضافة إلى تعاملها مع الظروف السيئة، فلا يقيم على سبيل المثال الفريق الإداري في أفضل الظروف الاقتصادية وننسى النظر إلى أدائه في الفترات المغايرة لذلك. كذلك لا ننسى أن الفريق التنفيذي هو جزء من منظومة أكبر تبدأ بجمعيات الشركاء ومجالس الإدارة وتنتهي بمن يقوم بالعمل. لذا، ينبغي تقييم منظومة الحوكمة وتسلسل الصلاحيات قبل الحكم على قدرات وأداء الإدارة.
من المستفز رؤية شركات تعمل في قطاعات متحركة نشطة تنعم بطلب متنام وربما دعم حكومي تاريخي، ومع ذلك تجد نتائج سيئة وضعفا في البناء والاستثمار. ما يحصل هنا هو هدر اقتصادي وضياع لفرصة النمو والتعلم والتوسع والتأثير. يزيد الأثر السلبي لهذه الحالات عندما لا يسلط الضوء عليها، وبهذا يكرر الآخرون الأخطاء نفسها ويستمر الفشل ولا يتم التعلم منه. يحدث هذا الأمر بشكل عمودي وأفقي، فالممارسات الخاطئة تكرر في المنشأة نفسها، والمنشآت تعيد أخطاء بعض. أكثر ما يصنع الضبابية على هذه الحقيقة هو ازدهار ذلك القطاع أو نموه السريع فيصبح عبارة عن غشاوة مؤقتة تمنعنا من رؤية الحقيقة. وليست هذه الضبابية محصورة على رؤية المستثمر التي تنحصر على التقارير النظامية المختصرة بل قد يحدث هذا الأمر حتى للمديرين أنفسهم في مجالس الإدارة أو الفرق التنفيذية.
تتنوع ملامح الضعف الإداري ولكن يمكن حصرها في ثلاث زوايا رئيسة وتتشكل في أمثلة وممارسات سلبية كثيرة ومختلفة. هذه الزوايا هي البعد والتوجه الاستراتيجي، وجودة صناعة القرار، والكفاءة التشغيلية. وتفصيلا لهذا الواقع يمكن النظر إلى نقص الخبرات الملائمة كإحدى أهم المشكلات التي تؤدي مثلا إلى القرارات السيئة، وهذا يحدث على مستوى الدور والمهام المتخصصة وعلى مستوى فهم طبيعة العمل الفنية وتفاعلاته وتأثيراته. ويتبع ذلك القدرة على التكيف مع الظروف المختلفة، والبطء في التعامل مع المتغيرات أو مقاومتها. ومما تثبته الأبحاث أن العزلة داخل المنظمة وضعف قنوات التواصل تصنع حواجز ضخمة تضيع الفرص وتقتل احتمالات معالجة التحديات. ولا نغفل كذلك عن التأثير القيادي خصوصا الجانب التحفيزي والمرتبط بالأصل الأهم لدى المنظمة، الموظف وتجربته واندماجه.
ما يفشل فيه المديرون ويقلل من فرص نجاح منظماتهم في القطاعات المزدهرة تقليلهم من أهمية الكفاءة التشغيلية، قولا أو فعلا. فهناك من يجيد التحدث عنها ولكنه لا يفقه ولا يتمكن من استيراد الأدوات والممارسات المناسبة التي تمكنه من توجيه القدرات الإنتاجية نحو الأداء المطلوب، فتكثر المشكلات وتصاب المنظمة بالخلل المتكرر وتعجز أنظمة التحكم عن اكتشافها أو معالجتها أو التعلم منها في الوقت المناسب. وهناك من يشتت فريقه بعيدا عن الأولويات التشغيلية الدقيقة. بالطبع مثل هؤلاء يعجزون عن اتخاذ القرارات المدروسة المبنية على المعرفة، وستجدهم في مأزق إذا قوبلوا بالمعلومات التي تعارض مواقفهم، فيتعذرون بأن المقارنات المعيارية غير ملائمة أو أن الظروف مختلفة وما إلى ذلك.
يدخل من يسهم في مشكلة الضعف الإداري العام في دائرة لا تنتهي من التعثرات، فسلسلة التعلم من الفشل لديهم منقطعة، والحفاظ على المواهب في شركتهم صعب، وتبرير المواقف المخادع متكرر، وتأجيل المشكلات معتاد. لذا يصعب توقع تحسن الوضع ـ بما في ذلك قمة المنظومة ـ إلا بتغيير جلدها وربما بعض مكوناتها الرئيسة. هذا مع الأسف قد يكون على حساب بعض المكتسبات السابقة، إن حدث التصحيح فالضحايا جزء منه، وفي كثير من الحالات يمتد الأثر إلى جميع من يتعامل مع هذه الشركة، موظفين وعملاء وغيرهما.

إنشرها