أكثر من مجرد تصنيف

لم يكن مصطلح بريكس BRICS معروفا قبل 2001، عندما وضع بنك جولدمان ساكس هذا المصطلح لتصنيف الدول ذات النمو الاقتصادي السريع، وذلك في معرض ورقة بحثية بعنوان "العالم يحتاج إلى دول بريكس اقتصادية أفضل"، وشمل المصطلح خمس دول وهي: الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، وقد تم إعداد هذه الورقة البحثية كدعوة لناد اقتصادي جديد، يمكن تسميته بنادي الدول متوسطة الدخل، مقابل نادي دول الدخل المرتفع وهي الدول الصناعية السبع.
ومنذ ذلك الحين عملت دول بريكس على البحث عن فرص للتعاون في التجارة والاستثمار وتطوير البنية التحتية وغيرها من المجالات، ودعت الصين جنوب إفريقيا للانضمام إلى المجموعة في كانون الأول (ديسمبر) 2010. لكن بنك جولدمان ساكس يرى أن له الحق في تحديد من ينضم إلى هذا التصنيف، وذلك عندما أشار إلى ذلك في الورقة الاقتصادية رقم 134 لـ2005 بعنوان "ما مدى صلابة دول بريكس؟"، وحددت الورقة مجموعة أخرى من الدول النامية الواعدة التي أطلق عليها اسم Next 11، وتتكون من مجموعة أوسع من الأسواق الناشئة.
ومع ذلك تحاول مجموعة بريكس إثبات كونها أكثر من مجرد تصنيف، بل هي تكتل يريد أن يسهم في رسم سياسات الاقتصاد العالمي، حيث جاء الإعلان الأول للتكتل بتحديد الأهداف في الإصلاح الاقتصادي العالمي والمؤسسات المالية الدولية، والعمل على عدة قضايا من بينها الطاقة والأمن الغذائي والعلوم والتعليم، ورغم أن إعلان التكتل لم يشر بشكل مباشر إلى مواجهة الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة وشركائها وكسر هيمنة الدولار حينها، إلا أن الإعلان دعا بالفعل إلى إيجاد نظام نقدي دولي أكثر تنوعا، لكن التفاوت الاقتصادي الواسع بين المجموعة يجعل من الصعب تحقيق مثل هذه الأهداف، فحجم الاقتصاد الصيني ووتيرة نموه أبعد ما يكون عن باقي دول مجموعة بريكس، فقد أسهمت الصين وحدها في أكثر من نصف حصة دول بريكس وأكثر من 15 في المائة من النمو في الناتج الاقتصادي العالمي من 2000 إلى 2008، وفي الوقت ذاته تقدم الصين والبرازيل نمطين مختلفين تماما لسلوك المستهلك في دول بريكس والأسواق الناشئة الأخرى، فبينما يظهر الصينيون ميلا قويا لتأجيل الاستهلاك من أجل الادخار في المستقبل، فإن البرازيليين لديهم أولوية مختلفة، فالعيش في الوقت الحاضر أهم من الادخار للمستقبل.
وفي المتوسط، أفاد الصينيون بأنهم وفروا 31 في المائة من الدخل، بينما أفاد البرازيليون بأنهم ادخروا نسبة متواضعة نسبيا قدرها 10 في المائة، وهو أدنى مستوى من بين دول بريكس الأربع، وهذا الاختلاف قد يعني أن النهاية الاقتصادية ستكون مختلفة، وبالتالي يختلف الحماس نحو تحقيق أهداف التكتل.
وفي تقرير نشرته "الاقتصادية" أخيرا لتتبع ما قامت به هذه المجموعة كخطوات ملموسة في سبيل تحقيق أهدافها مقارنة بما لدى مجموعة الدول السبع من إمكانات، يأتي إطلاق صندوق احتياطي نقدي كأهم الإنجازات لمواجهة أي مشكلات محتملة في السيولة الدولارية، كما أنشأت بنك التنمية برأس مال مصرح بـ100 مليار دولار، بهدف تعزيز البنية التحتية والاستدامة في الدول الأعضاء، بعيدا عن قيود البنوك العالمية والمؤسسات الأخرى، وبالفعل استفادت الدول الأعضاء خلال سبعة أعوام من تمويل 112 مشروعا في دولهم من خلال هذا البنك، وهذه المبادرات تدل على حماس دول بريكس لتعزيز نمو اقتصاداتها دون قيود ومعوقات، والاستقلال المالي للإفلات من أي عقوبات اقتصادية محتملة، لكن مع ذلك فإن قدرات دول بريكس من الإفلات من فخ الدخل المتوسط، لا تزال مشكوكا فيها ذلك أن مجموعة السبع تتفوق في تحقيق الاكتفاء الذاتي الزراعي، كما لا تزال تستحوذ على الحصة الأكبر بنسبة 43.6 في المائة من الناتج العالمي، وفي مقياس نصيب الفرد من الناتج يأتي نصيب الفرد في هذا التكتل أقل من ثلثي المتوسط العالمي، بسبب ضخامة عدد السكان في الصين والهند. وفي مقابل ذلك فإن لديها فائضا في الميزان التجاري بقيمة 394 مليار دولار في 2021، بعكس دول السبع التي لديها عجز بقيمة 362 مليار دولار، ولفائض الحساب الجاري نقاط إيجابية من بينها تكوين احتياطي نقدي وذهب يتخطى 5.1 تريليون دولار، ويعادل ذلك نحو ثلث الاحتياطيات العالمية من النقد والذهب البالغ 16 تريليون دولار، ويغطي هذا الاحتياطي الكبير ميزان المدفوعات لفترة تزيد على عام كامل، وبالمقابل لن تستطيع دول السبع تغطية أكثر من أربعة أشهر لوارداتها باحتياطي أقل من 3.2 تريليون دولار. ومع تمتع دول بريكس بمستوى ديون خارجية وحكومية منخفضة كثيرا مقارنة بالمستويات العالمية ومقارنة بمجموعة السبع، فإن الدين الضخم لدول السبع يضغط بشدة على نواتجها المحلية.
وفي لفتة مهمة أن لدى دول بريكس نسبة مرتفعة من إنتاج عديد من المعادن، على سبيل المثال تنتج المجموعة 48 في المائة من الحديد على مستوى العالم، مقابل 4 في المائة لدول السبع، و71 في المائة من الألمنيوم، و16 في المائة من الليثيوم، وهو المعدن المستخدم في البطاريات الكهربائية التي تقوم عليها عديد من صناعات السيارات والهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب. ولديها فائض إنتاج الغاز يعادل 50 مليار متر مكعب، ولكن على الرغم من امتلاكها نحو 8.7 في المائة من احتياطيات النفط العالمية إلا أن مستوى الإنتاج لا يزال أدنى من استهلاك التكتل بأكثر من 2.4 مليار برميل سنويا، بسبب الشهية الكبيرة للطاقة من قبل كل من الصين والهند.
كل هذه الإمكانات الحالية للمجموعة تمكنها من السير قدما في سبيل تحقيق أهدافها، لكن بشرط أن تكون لها خطة واضحة وقيود لمن ينضم إلى هذا التكتل في المستقبل، لكن مع دعوة تكتل بريكس دول العالم إلى الانضمام فهل ستبقى لهذه القوة الاقتصادية المزايا النسبية نفسها، أم سترهقها مشكلات الدول الأقل حظا عن إنجاز مهمتها.
وطور البنك الدولي مصطلح فخ الدخل المتوسط في 2005 أثناء التحقيق في التنمية الاقتصادية في شرق آسيا، وتتبعت عدة دراسات منشورة هذا المفهوم، وذكر أن الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية تعد أمثلة على دول في فخ الدخل المتوسط، وهو الوضع الذي يفتقر فيه البلد إلى القدرة على إحداث نمو اقتصادي يمكنه من زيادة التنافسية مع الدول ذات الدخل المرتفع التي تتميز بأنشطة اقتصادية متنوعة وتطورات تكنولوجية سليمة، نظرا إلى أن دول فخ الدخل المتوسط تعاني نقصا مزمنا في قوة عاملة ماهرة منخفضة وقاعدة تكنولوجية ثانوية ذات هيكل اقتصادي مبتكر، ومن ثم تصبح راكدة في فخ الدخل المتوسط، وتفشل في إدارة مرحلة الانتقال إلى مستوى الدخل المرتفع. وفي ظل عدم وضوح الآليات والمعايير الذي تضبط انضمام الأعضاء الجدد إلى تكتل دول بريكس، فإن قدرة هذا التكتل على تحقيق أهدافه لم تزل محل اهتمام ومراقبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي