التسريب الكبير ومنصات الألعاب الإلكترونية

اعتقل مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي، في الشهر الماضي، شابا يدعى جاك دوجلاس تيشيرا، وهو عضو في الحرس الوطني التابع للقوات الجوية الأمريكية، ويبلغ من العمر 21 عاما. وانضم تيشيرا إلى الحرس الوطني الجوي في 2019، وعمل في تقنية المعلومات، لكنه قام بتسريب وثائق سرية عسكرية وأمنية وسياسية على الإنترنت، الأمر الذي سبب حرجا للولايات المتحدة، سواء وزارة العدل أو المدعي العام أو وزارة الدفاع أو حتى البيت الأبيض.
لقد كان التسريب الكبير بمنزلة صدمة قاسية، لأنه يكشف تقارير سرية للغاية، وأحدث تسريبها ضجة واسعة في مختلف مناطق العالم، سواء لدى حلفاء واشنطن أو خصومها. وبدأ تسريب الوثائق ونشرها في تطبيق ديسكورد Discord ومن ثم انتشرت الوثائق في بقية منصات التواصل الاجتماعي، مثل إكس كورب "تويتر" وتيليجرام، ويقول البعض إنه أخطر خرق أمني منذ ظهور أكثر من 700 ألف وثيقة ومقطع فيديو وبرقية دبلوماسية على موقع ويكيليكس في 2010. لكن لماذا استخدم تيشيرا تطبيق أو برنامج ديسكورد؟ في 23 آذار (مارس) الماضي، احتشد المشرعون في الكونجرس للتحدث مع الإدارة التنفيذية للتطبيق الاجتماعي تيك توك حول ملكية الشركة الصينية والمخاطر التي تشكلها على الأمن القومي للولايات المتحدة. ولقد وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن، سلفا على مشروع قانون يحظر تيك توك من أجهزة الموظفين الفيدراليين لمنع وقوع المعلومات الحساسة في الأيدي الخطأ. والمضحك المبكي أن الوثائق السرية كانت تتسرب على مدى أشهر في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تبدأ من تطبيق تيك توك الصيني، لكن من تطبيق ديسكورد الأمريكي. ومن الواضح أن عدسة الكونجرس كانت منصبة على تطبيق تيك توك فقط، وأن أسرار الدولة ستخرج عن طريقها.
إن ديسكورد عبارة عن منصة اجتماعية ورسائل فورية للأشخاص الذين لديهم اهتمامات مماثلة، وأطلق في 2015 ويتبع إلى شركة ديسكورد الأمريكية. ويتمتع المستخدمون بالقدرة على الاتصال بالمكالمات الصوتية ومكالمات الفيديو والرسائل النصية ومشاركة الوسائط والملفات، ويحظى بشعبية كبيرة في مجتمع الألعاب بصورة خاصة، لأنه يوفر طريقة سهلة لتواصل لاعبي ألعاب الفيديو مع بعضهم بعضا، وتطوير مجتمع خارج الألعاب بأنفسهم، بل إقامة بطولات وتحديات مع بعضهم. لقد كان تيشيرا ضمن مجموعة في هذا التطبيق، وكان التسريب بدا وكأنه رغبة في التحدي مع زملائه. ذكرت صحيفة "نيويوك تايمز" أن فكرة المجموعة في تطبيق ديسكورد هي إقامة منصة للعب والتسلية خلال جائحة كورونا حسبما ذكر بقية أعضاء المجموعة، الذين يتحدثون عن شغفهم بالأسلحة، إلى جانب التسلية بلعب إلكترونية تحاكي الحروب. فقام تيشيرا بنشر مئات الصفحات من الوثائق الحساسة التي تضم خرائط عسكرية، وكان يخبر أعضاء المجموعة عن حقائق فعلية عن الحروب، ويسعى إلى نيل اعجابهم واستحسانهم. وبالفعل، رفع أعضاء المجموعة راية الإعجاب إلى تيشيرا أمام تلك التسريبات، لأنه جاءهم بوثائق يصعب الحصول عليها، وبعدها انتشرت الوثائق سريعا، وألقي القبض على تيشيرا في ولاية ماساتشوستس ولا يزال رهن الاعتقال والتحقيق.
لقد تنامت شعبية ديسكورد بين الشباب الأمريكيين المهتمين بالحرب، خاصة ألعاب الفيديو ذات الطابع العسكري، وجعلت منها منصة مفضلة للجنود الشباب في القواعد العسكرية، كما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز". وعلى الرغم من أن ديسكورد يتطلب أن يكون عمر المستخدم 13 عاما على الأقل، إلا أنه لا يتحقق من عمر المستخدمين عند التسجيل مثل أغلب منصات الألعاب.
ختاما، قد تكون بعض منصات الألعاب مأوى للجرائم الإلكترونية وخرقا للأمن السيبراني والبحث عن معلومات سرية، وقد تصل إلى تجنيد شخص غر جاهل أو صغير في السن، أو تصبح مكانا بديلا لشراء وبيع ومشاركة البيانات المسروقة وأدوات القرصنة بعد ما كانت تتم في الإنترنت المظلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي