Author

ما أسباب البطالة ؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

 

تعد البطالة قضية جوهرية سواء من ناحية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، وتعد معدلات البطالة مؤشرا اقتصاديا أساسيا في التعرف على أحوال الاقتصاد. ويدرس الاقتصاديون البطالة للتعرف على أسبابها ولمساعدة الحكومة في تحسين سياساتها العامة المؤثرة في البطالة. 

 

معدلات البطالة طبيعية

 

من المهم أن يعرف أن هناك درجة من البطالة تعد طبيعية، ولعل المثال التالي يسهل الفهم: لو افترضنا أن كل من يخرج من سوق العمل سيجد عملاً، ولكن المسألة مسألة وقت "أي إلى حين الحصول على وظيفة ظروفها هي الأقرب إلى رغبة العاطل"، فإن هذا يعني وجود بطالة طبيعية لا بد منها حتى ولو كانت الوظائف تكفي الجميع. ومن معنى البطالة الطبيعية اشتق الاقتصاديون معدل البطالة الطبيعي، وهو ما يسمى أحياناً معدل البطالة التوازني على المدى البعيد أو معدل البطالة حالة التشغيل الكامل. 

 

من أسباب البطالة الاقتصادية

 

أما من جهة الأسباب فإن البطالة تحدث لأسباب مختلفة، فهناك موجات من الانتعاش والانكماش في الاقتصاد، وهناك تقلبات موسمية، وقصور نوعي وكمي في التعليم، وضعف في الإنتاجية، وتغير دوري في الطلب على السلع، وهناك منازعات بين العمال وأصحاب العمل …إلخ. إلا أنه جريا على عادة الاقتصاديين بوضع المسألة الاقتصادية في قالب نظري محدد يمكن من تحليله، واختباره قياسياً، واقتراح السياسات المناسبة له، فإن هناك أربع نظريات (اقتصادية) رئيسة للبطالة حاولت تفسير أو تعليل حدوث البطالة، وسأعرضها بلغة بسيطة مختصرة غير فنية. 

 

نظريات نشوء البطالة في البلاد

 

هناك من يرى أن سبب البطالة يرجع إلى اختلال التوازن في سوق العمل. الأجور "الرواتب" السائدة تعد أعلى من الأجور التي ستتوازن عندها السوق بحيث لا يبقى أحد دون عمل. وفقاً لأصحاب هذه النظرية، البطالة هي الثمن الذي لابد أن يدفعه المجتمع لقاء تدخله ـــ من جانب الحكومة أو القطاع الخاص أو التجمعات العمالية- وعرقلته لسير النظام الاقتصادي الطبيعي القائم على أساس المنافسة الحرة. هناك فريق ثان يرى أن الأجور تميل إلى الجمود، حتى مع وجود ركود اقتصادي. جمود الأجور يعني أن الأجور لا تتأقلم أو لا تتكيف التكيف الذي يجعل العرض مساويا للطلب في سوق العمل. 

 

فريق ثالث يرى أن البطالة تظهر بسبب عدم التعادل أو الانسجام في الأسواق، ونقص المعلومات. مثلاً هناك زيادة في الطلب على العمل في مناطق بعينها من الدولة، وعلى مهن محددة تتطلب مهارات أعلى. وطبعا فإن من السياسات التي يوصي بها هؤلاء الاهتمام بقضايا التدريب وإعادة التوزيع المكانية. النظرية الأخيرة وهي نظرية ازدواجية سوق العمل، التي ساعد على زيادة ظهورها تدخل الحكومات بتحسين أنظمة العمل لمصلحة العمال، والتي تفاوتت استفادة العمال منها، تبعاً لنوع وظروف عملهم. هذه الظروف - كما يرى بعض الاقتصاديين - يلخصها أن الاقتصاد "سواء كان متطوراً أو نامياً" مكون من قطاعين قطاع أول يتميز بارتفاع الأجور فيه، واستقرار العمل، وظروف عمل جيدة بصفة عامة، وفي المقابل هناك قطاع ثان يتصف بانخفاض أجور عماله، وسهولة الاستغناء عن خدماتهم، وإجمالاً فإن ظروف العمل أدنى من القطاع الأول. 

 

هناك صفة أساسية وهي أن انتقال العامل من القطاع الثاني إلى الأول صعب، بسبب أن التاريخ الوظيفي لا يشجع القطاع الأول على قبول الانتقال، وهذا يجعل أوضاع هؤلاء شبه ثابتة. وقد لوحظ ارتفاع نسبة العاملين في هذا القطاع المنتمية أصولهم إلى أعراق أو قوميات أو مناطق بعينها. السياسات التي يوصي بها أصحاب هذه النظرية أو الرؤية ينبغي أن تركز على إعادة البناء الاقتصادي، حيث يمكن إيجاد مزيد من الوظائف في القطاع الأول، مصحوبة ببرامج تدريبية تؤهل للعمل في هذا القطاع. ولذا فإن أصحاب هذه النظرية ينتقدون برامج التدريب الموجهة للعاطلين من القطاع الثاني، حيث إنهم يعطون برامج تدريبية تؤهلهم للعودة للقطاع نفسه، وهذا لا يشجع على الانتقال من هذا القطاع. 

أسباب البطالة الأخرى

 

أسباب غير اقتصادية للبطالة في دول مجلس التعاون الخليجي، هناك نسبة من البطالة مصدرها اجتماعي أو خارجي. أقصد بالاجتماعي أن هناك عزوفاً عن مهن، عادة لأسباب اجتماعية، أسهمت في زيادة حدتها تأثيرات المرض الهولندي، الناجم من وفرة الموارد الطبيعية كالنفط. هذه المهن لا يقبل عليها عادة طالبو العمل، إلا إذا كانت في قطاعات متطورة يختفي فيها موضوع العيب، لوجود التقدير الاجتماعي لصاحب العمل. يرتبط بهذا النوع البطالة المستوردة، التي تعني أن هناك بطالة مصدرها استيراد اليد العاملة. تخفيف تأثيرات المرض الهولندي تسهم في تخفيف حدة البطالة الاجتماعية والمستوردة. وأرى أن هذا يتطلب عاصفة حزم لمواردنا البشرية، أقوى مما هو قائم. هذا وبالله التوفيق.

إنشرها