بالنسبة للصين .. هل تمثل روسيا مشكلة أم فرصة؟

بالنسبة للصين .. هل تمثل روسيا مشكلة أم فرصة؟

أبرزت الحرب الروسية في أوكرانيا وجها جديدا لعلاقات التعاون بين روسيا والصين ضمن محاولات صد التكتل الغربي بقيادة أمريكا، لكن تعاون موسكو المكثف مع بكين بلغ بها أحيانا إلى حد الاعتماد عليها في جوانب كثيرة، وفقا لفاليري هدسون، أستاذة أمريكية في العلوم السياسية في قسم الشؤون الدولية في كلية بوش للحكومات والخدمة العامة في جامعة تكساس أيه آند إم.

وقالت في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إنه في مارس، تحدث وزير الخارجية الصيني تشين جانج، ببلاغة عن حالة العلاقات الصينية الروسية، قائلا إنه "كلما أصبح العالم غير مستقر، أصبح من الضروري أن تتقدم الصين وروسيا بعلاقاتهما بشكل مطرد، ومن المؤكد أن الشراكة الاستراتيجية ستزيد من قوة إلى قوة"، ويجري استنزاف روسيا في أوكرانيا، وهو أمر ليس محرجا فقط من وجهة نظر سياسة القوة، ولكنه عمل أيضا على زيادة وحدة الناتو وحجمه.

وعلاوة على ذلك، يبدو أن الروس أخبروا الصينيين أن يتوقعوا "عملية عسكرية خاصة" محدودة، وليس غزوا واسع النطاق، مكتملا بجرائم ضد الإنسانية. وقد يتحول حليف مقيد إلى عبء وعائق، كما أن الحليف الذي يحتمل أن يتجاوز العتبة النووية ينذر بكارثة.

وترى هدسون أن الصين لديها مكاسب كبيرة، بعد كل شيء، فهي تحلم بأن يحل نظام تقوده الصين محل النظام الذي يقوده الغرب وهي تخطط لغزوها الخاص لإقليم تعده جزءا من تراثها الوطني.

ويشعر البعض أن خطة السلام التي اقترحتها الصين مؤخرا، المكونة من 12 نقطة تظهر رغبتها في رؤية حليفتها روسيا تتراجع عن حرب طويلة طاحنة بالوكالة مع الغرب مع حفظ ماء الوجه.

كما أن المفاوضات حول وقف إطلاق النار هذا من شأنها أن توفر على الصين الخيار المؤلم المتمثل في إسقاط العقوبات الاقتصادية الغربية عنها أم لا إذا اضطرت إلى تسليح الروس خشية هزيمتهم.

وعموما، كان الفيلسوف الصيني صن تزو هو الذي قال: "النصر يأتي من إيجاد الفرص في المشاكل"، وفي حين أن هناك بالتأكيد بعض الجوانب السلبية للصين في علاقتها الحالية مع روسيا، إلا أن هناك أيضا جانبا مشرقا للغاية.

وتقول هدسون إن الحليف المتعثر يصبح أكثر اعتمادا على الطرف الآخر، حيث أصبحت الصين لا غنى عنها لبقاء روسيا، وهذا يوفر للصين نفوذا كبيرا على جارتها. وتفاوضت بكين بالفعل على تخفيضات كبيرة في أسعار موارد الطاقة التي تشتريها من موسكو. وروسيا بحاجة إلى روبل، والصين مستعدة تماما للعب الكرة، مقابل ثمن.

وإضافة إلى هذه التخفيضات في أسعار الطاقة، تفاوضت الصين على شروط مواتية للاستثمار الصيني في البنية التحتية الروسية الرئيسية، مثل الطرق والموانئ، وحتى الأراضي الزراعية.

ورغم أن شروط هذه الاتفاقيات ليست علنية، فإن الاستثمارات الصينية المماثلة في دول أخرى كانت مشروطة بسيطرة أكبر من المتوسط على الأصول الناتجة، ويتركز كثير من الاستثمارات الصينية في الشرق الأقصى الروسي، الذي هجر سكانه بسرعة كبيرة في السنوات الأخيرة لدرجة أنه يشهد معدل نمو سكاني مذهل بنسبة ناقص 33 في المائة.

ومن المثير للاهتمام إذن أن الأكاديمي الشهير يان يوتونج، كتب في مجلة فورين أفيرز العام الماضي، قائلا "بعد فترة وجيزة من بدء الصراع، بدأ بعض مستخدمي الإنترنت الصينيين المناهضين لروسيا بإعادة صياغة عدم عدالة معاهدة أيجون 1858، التي تنازلت عن 230 ألف ميل مربع من أراضي الصين لروسيا".

كما تم طرح معاهدة بكين لعام 1860، التي شهدت منح مساحة أكبر من شمال شرق الصين للروس، وقد يكون الاستعمار الصيني الفعلي للشرق الأقصى الروسي أحد الفرص التي تراها بكين نظرا لحالة ضعف جارتها في الشمال، التي يمكن أن تلعب دورا في مبادرة "طريق الحرير القطبي" الجديدة للصين.

وهناك بعض الامتيازات الجانبية الأخرى من تعثر روسيا، مثل الانخفاض الكبير في مبيعات الأسلحة الدولية لتلك الدولة، وفي الوقت نفسه، تقيس الصين أيضا كيف يساعد أو يضر الوضع كله برؤيتها لاستعادة تايوان على المدى القريب.

وفي حين أن عدم كفاءة الروس يجب أن تمنح الصين وقفة، حيث إن جنودها وضباطها لم يتم اختبارهم في المعركة كما كان الروس، فإن تسليح الأوكرانيين مكلف ويستنزف بسرعة المخزونات الغربية من أنظمة الأسلحة والذخيرة.

وعلى سبيل المثال، أصدرت حكومة بريطانيا للتو تقريرا يفيد بأن الأمر سيستغرق 10 أعوام كاملة لاستبدال مخزونات الأسلحة الممنوحة لأوكرانيا. وهناك تذمر من نفاد بعض الأنظمة والذخيرة لدى الولايات المتحدة أيضا بسبب ما أرسلته إلى أوكرانيا.

لذا، تتساءل هدسون أنه بينما كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تساعد حكومة تايوان عن قصد على مستوى وتواتر أعلى من الرؤساء السابقين، إلى متى يمكن لأمريكا أن تحرق الشمعة مجازيا من كلا الطرفين دون إضعاف قدرتها على القتال؟

إن تورط أمريكا في العراك الطويل والبطيء الذي يمثل الحرب الأوكرانية يصب إلى حد كبير في مصلحة الصين الوطنية، وتتساءل أيضا: هل يوفر ضعف روسيا ثروة من الفرص للصين لتأمين مصالحها الوطنية؟ وتقول إن الاستراتيجيين العظماء يرون أن هناك فرصة في المشاكل.

الأكثر قراءة