اليابان والصين وقضية التفوق الجوي بالمسيرات
مما لا جدال فيه أن الطائرات المسيرة صارت اليوم من أنجع الوسائل وأرخصها لاعتراض المناورات الجوية للعدو وتحرشاته وغاراته. فهي مقارنة باستخدام مقاتلات الاعتراض التقليدية المأهولة ليست أسهل من جهة اقتنائها، وليست أرخص من جهة الثمن فقط، وإنما هي فوق ذلك دون تكلفة بشرية، ولا تحتاج إلى أعوام طويلة من تدريب الطيارين على استخداماتها العسكرية.
لا أدعي أني مختص في الشؤون العسكرية، لكني اطلعت أخيرا على عديد من التقارير والدراسات التي تجمع على أن اليابان قد عقدت العزم على الاستعانة بالطائرات المسيرة للتصدي لعمليات انتهاك مجالها الجوي من قبل المقاتلات الصينية، وهي عمليات زادت وتيرتها أخيرا وتشهد تصاعدا ملحوظا على خلفية تأزم علاقات الصين بالولايات المتحدة التي تعد اليابان حليفة رئيسة لها في منطقة شمال شرق آسيا.
من هذه التقارير تقرير صحيفة "نيكي" اليابانية واسعة الانتشار التي قالت، إن قوات الدفاع الذاتي اليابانية تفكر جديا في استخدام طائرات دون طيار بدلا من المقاتلات المأهولة لاعتراض المقاتلات الأجنبية التي تتسلل إلى المجال الجوي للبلاد وتهدد أمنها وسيادتها، مضيفة أن اليابان ستبدأ العام الجاري اختبارات لاستخدام المسيرات في مطاردة السفن الحربية المعادية، وفي حال نجاحها فإنها ستستخدمها لاعتراض المقاتلات المتسللة، خصوصا أنها أرخص 40 مرة من استخدام الطائرات الحربية المأهولة. ولم ينس التقرير أن يستدرك ويقول إن اللجوء إلى المقاتلات المأهولة سيكون خيارا لا بد منه في حالات قيام العدو بهجوم جوي كبير.
ومن التقارير الأخرى ذات الصلة تقرير كوسوكي الذي أشار إلى أن اليابان مضطرة إلى الاعتماد المكثف على المسيرات لأن عملية الارتقاء بمقاتلاتها أمريكية الصنع من نوع F-15J "عددها 98 طائرة" تحتاج إلى إنفاق أموال طائلة في وقت يبلغ فيه الدين الحكومي نحو 266 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي.
أما مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فكان قد نشر سابقا ما يفيد أن لجوء طوكيو إلى خيار المسيرات أمر فرضه قرب تقاعد أسطول اليابان من طائرات "F- 2" والبالغ عددها 94 طائرة، وفرضه أيضا تحديات وصعوبات فيما يتعلق باستخدام 147 طائرة من طراز "F- 35" حصلت عليها من الولايات المتحدة، لكونها ليست مقاتلة تفوق جوي وإنما طائرة قتالية للأغراض العامة. هذا فضلا عن أمر آخر هو امتناع واشنطن عن تزويد اليابان أو أي دولة أخرى بمقاتلات من طراز "F- 22" الأكثر قدرة على مواجهة المقاتلات الصينية مثل، "J- 20"، "J- 11"، و"Su- 35". والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة، طبقا لصحيفة "آسيا تايمز" الصادرة في هونج كونج، لم تصدر مطلقا مقاتلات من هذا النوع خشية وقوع تكنولوجياتها الحساسة ذات الصلة بالتخفي في أيدي أعدائها، بل توقفت عن إنتاجها منذ 2011 بعد أن صنعت 187 منها بسبب تكلفتها العالية.
ويبدو أن الحظر الأمريكي على تصدير "F- 22" قد شجع اليابان على تطوير مقاتلات محلية الصنع بفضل ما تمتلكه من تكنولوجيا وعلماء، بدليل أنها أنتجت في 2005 ما يعرف بطائرة الشبح اليابانية Mitsubishi F-3، ثم طورت المقاتلة Mitsubishi X-2 التي تتميز بتقنيات متقدمة لجهة التوجيه والدفع ثلاثي الأبعاد للانعطاف السريع والمزودة برادار مسح إلكتروني متطور. كما أن الحظر ـ طبقا لما ذكرته أكثر من صحيفة يابانية وآسيوية ـ شجع اليابان على الدخول في شراكة مع كل من بريطانيا وإيطاليا لبناء مقاتلات من الجيل السادس قادرة على التصدي بنجاح لمقاتلات الجيل الخامس في الترسانتين العسكريتين الصينية والروسية. لكن هناك ثمة مشكلة في الجدول الزمني، حيث لا يتوقع البدء بإنتاج مقاتلات الجيل السادس قريبا، ولا يتوقع دخولها الخدمة قبل عدة سنوات، وحينذاك قد تكون البيئة الاستراتيجية في المنطقة قد تغيرت، وقد تكون القدرات العسكرية الصينية قد تجاوزت كل الفرضيات.
وبالعودة إلى موضوع خطط اليابان لاستخدام المسيرات، تطرقت مجلة Breaking Defense الإلكترونية المختصة في الاستراتيجيات والسياسات والتكنولوجيات الدفاعية إلى عائق مهم قد يحد من تلك الخطط وهو أن المسيرات تحتاج إلى كثير من الأشخاص للعمل، "مثلا طائرة هليوكبتر من طراز أباتشي تحتاج إلى 30 فردا، بينما طائرة بلا طيار من نوع Grey Eagle يتطلب تشغيلها 135 فردا". وهذا، بطبيعة الحال، لا يناسب جيش الدفاع الياباني الذي يواجه مشكلات في ترغيب اليابانيين في الالتحاق به، خصوصا في ظل تركيبة سكانية تقل فيها نسبة الشباب وترتفع بها نسبة المسنين، فضلا عن تجذر التقاليد السلمية الكارهة للحروب منذ هزيمة البلاد في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي عدم حماس المواطنين للانخراط في الجيش أو الوظائف العسكرية.