رغم الصمود المفاجئ في وجه العقوبات .. الاقتصاد الروسي في أزمة لا تخلو من الألم

رغم الصمود المفاجئ في وجه العقوبات .. الاقتصاد الروسي في أزمة لا تخلو من الألم

إن كان صمود الاقتصاد الروسي في وجه العقوبات المفروضة عليه منذ أكثر من عام فاجأ كثيرا من المراقبين، إلا أن موسكو تواجه وضعا صعبا ومستقبلا غير مؤكد، رغم تكيفها مع العقوبات الشديدة المفروضة عليها ردا على الحرب في أوكرانيا.
وردد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مدى عام أن العقوبات الدولية غير مجدية وتنعكس سلبا على الغربيين أكثر منها على بلاده، مشددا على "تعزيز السيادة الاقتصادية" واستحداث "مزيد من الفرص" لروسيا.
غير أنه بدل نبرته فجأة في نهاية آذار (مارس)، محذرا من العواقب "السلبية" للعقوبات "على المدى المتوسط"، في أول موقف من نوعه منذ شن الهجوم على أوكرانيا أواخر شباط (فبراير) 2022. ووفقا لـ"الفرنسية"، قال بوتين "إن العودة إلى مسار نمو يجب ألا تجعلنا نتهاون"، مقرا بأنه لا تزال هناك "مشكلات ينبغي حلها".
فهل تكون هذه التصريحات مؤشرا إلى تدهور الوضع الاقتصادي أم مجرد تحذير موجه إلى الشركات بعدما حضها في منتصف مارس على "عدم تفويت فرص النمو" الجديدة؟
من جانبه، رأى أرنو دوبيان مدير المرصد الفرنسي الروسي في موسكو أن موقف بوتين "هو بكل بساطة واقعي".
وأوضح "إنها رسالة تعبئة موجهة إلى الشركات والوزارات المعنية: الوضع أفضل مما كان متوقعا، لكن لا تتهاونوا، واصلوا البحث عن حلول بديلة".
وقالت ألكسندرا بروكوبنكو الباحثة التي كانت تعمل سابقا في البنك المركزي الروسي "إنه يقول لهم ما معناه، أنتم وأعمالكم في أمان في روسيا فقط تحت سلطتي، لا عودة إلى ما قبل فبراير 2022".
ويواجه الاقتصاد الروسي مشكلات عدة حاليا، مع التراجع الشديد في صادرات الغاز وتقلص القوة العاملة والنقص في بعض سلاسل الإنتاج وهبوط قيمة الروبل، وتوقف قطاع السياحة وغيرها.
وأشار دوبيان إلى أن "القطاعات الأكثر تضررا جراء العقوبات مثل قطاع السيارات، هي تلك التي كانت الأكثر انفتاحا على الاستثمارات والتعاونات الدولية".
وفي آخر مثال على ذلك، أعلنت شركة أفتوفاز للسيارات توقف الإمدادات من بعض مزوديها الأجانب، ما سيجعل "من المستحيل مواصلة إنتاج سيارات متكاملة بدءا من النصف الثاني من أيار (مايو)".
ولم يعد بوسع روسيا عمليا الحصول على التكنولوجيات الغربية، وهي مضطرة إلى التوجه نحو آسيا ما يحتم مهل انتظار إضافية.
ولفتت بروكوبنكو إلى أن الشركات المرتبطة بقطاع الصناعات العسكرية هي التي "تتدبر أمرها بصورة أفضل"، مشيرة إلى قطاعات "البصريات والأدوية والمعدات المعدنية إلى ما هنالك".
وتقر الحكومة باختلال التوازن هذا، مؤكدة عزمها على تعزيز المبادلات مع الدول الآسيوية وفي طليعتها الصين والهند، للتعويض عن خسارة السوق الأوروبية.
غير أن "الوضع يبقى صعبا" بحسب ما أوضح سيرجي تسيبلاكوف أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد العليا في موسكو، مشيرا إلى "البنى التحتية المالية" بين ضحايا العقوبات.
وأعلن بنك "في تي بي"، ثاني أكبر مصرف روسي، الأربعاء خسائر تبلغ سبعة مليارات يورو في 2022، بسبب العقوبات ولا سيما استبعاده من نظام الدفع الدولي سويفت.
ويرى كثير من المراقبين في ظل الوضع الراهن أن التحدي الحقيقي في وجه الاقتصاد الروسي سيأتي في الأشهر المقبلة. وقالت بروكوبنكو "ليس هناك أي مؤشر إلى أن روسيا تحظى في 2023 بعائدات إضافية كما في العام الماضي من خلال عائدات النفط والغاز"، التي حققت زيادة كبيرة في 2022 مع ارتفاع أسعار الطاقة.
وتفيد وكالة الطاقة الدولية بأن العائدات النفطية الروسية تدهورت بنسبة 42 في المائة في شباط (فبراير) بوتيرة سنوية، كما أن إعادة توجيه سوق الغاز إلى منطقة آسيا تستغرق وقتا طويلا لأسباب لوجستية.
إلا أن موسكو بحاجة ماسة إلى إبقاء عائداتها من المحروقات في مستوى مرتفع لمواصلة تمويل هجومها في أوكرانيا، في وقت تخصص فيه نحو ثلث الميزانية الفيدرالية السنوية للنفقات العسكرية والأمنية، بحسب الأرقام الرسمية. وحذر بوتين الثلاثاء بأن "العقوبات ستدوم طويلا".
ورأت بروكوبنكو أن "الأمر يتطلب وقتا طويلا للتكيف وإيجاد شركاء جدد وإقامة علاقات جيدة"، معتبرة المستقبل "ضبابيا".
من جهته، رأى دوبيان أن "الأزمة والعقوبات لا تخلوان من الألم، لكن توازنات الاقتصاد الكلي ليست في خطر في الوقت الحاضر"، مضيفا أن "بإمكان روسيا تمويل مجهودها الحربي لثلاثة أو أربعة أعوام إضافية، لكنها خسرت ما يوازي عقدا من التطور منذ 2014، والآن قد تخسر عقدا ثانيا".

سمات

الأكثر قراءة