Author

عندما تزدهر الأوضاع وتخسر الشركات

|

أعلنت 169 شركة نتائجها حتى تاريخ كتابة هذا المقال "بانتهاء 29 آذار (مارس) 2023، ومن النظرة الأولى ستجد أن عدد الشركات التي لم تحقق نتائج إيجابية في 2022 يبلغ 35 شركة أو ما يعادل 21 في المائة من إجمالي المجموعة التي أعلنت نتائجها. من المتوقع ألا تتحسن هذه النسبة بعد استكمال نتائج الشركات لأن احتمالية النتائج السلبية أكبر لدى الشركات التي تعلن نتائجها في اللحظات الأخيرة أو ما بعد مهلة الإعلان النظامية. والسؤال الذي نطرحه هنا، كيف يمكن مقارنة الأداء لهذه الشركات بالظروف المحيطة بها؟ مقارنة بـ2021 للشركات نفسها، نجد أن الأداء لم يتحسن بل كان سلبيا للمجموعة نفسها من الشركات، إذ كان عدد الشركات الخاسرة 33 شركة وإجمالي الخسائر المجمعة لهذه الشركات بلغ 2،986 مليون ريال، بينما بلغت الخسائر المجمعة للـ35 شركة الخاسرة في 2022، 3،917 مليون ريال، بزيادة تقدر بـ31 في المائة.
قد يتساءل أي متابع لأداء هذه الشركات، في ظل النمو الاقتصادي المحلي وازدهار عدد غير قليل من قطاعات الأعمال، هل هذه النتائج طبيعية أم مخيبة للآمال؟ هل نسبتها معقولة أم هناك عملية احتراق متنامية للأصول والجهود في الشركات المدرجة؟ على الرغم من أن النظرة القطاعية مهمة ولها منظورها الأدق، ومثلها النظرة التحليلية الخاصة بكل شركة على حدة، إلا أن الأداء الكلي للشركات في سوق الأسهم الرئيس يعد محورا مهما يستحق النظر، ومثله أسواق المال الأخرى "أسهم ثانوية أو صكوك مثلا"، وكذلك أداء القطاع التجاري إجمالا الأوسع بكثير من المنشآت والأدوات المدرجة.
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة من المفيد القول إن سوق الأسهم مجرد سوق لتداول أسهم مجموعة الشركات المدرجة، بينما يمثل الاقتصاد إجمالي حركة كلية أكبر بكثير لتدوير المال والقيمة، ولكل منهما دورات أداء متداخلة، تتأثر ببعضها بعضا، لكنها ليست متطابقة بالضرورة. تعد دورات سوق الأسهم متطلعة للمستقبل وتأخذ في الحسبان الإرهاصات والتوقعات الاقتصادية مبكرا، وهذا يحصل لأداء الأسهم تحديدا، وقد تختلف هذه التراتبية عند الحديث عن أداء الشركات نفسها. وتزداد التفاصيل تعقيدا إذا قيمنا الدورات القطاعية وتأثيرها النسبي في سوق الأسهم وفي الاقتصاد إجمالا، خصوصا أنها تختلف من سوق إلى أخرى.
إذا نظرنا من زاوية الشركة نجد أن محددات الأداء فيها تنقسم إلى مجموعتين، مجموعة كلية اقتصادية تمس الجميع في وقت واحد، وإن كانت بدرجات مختلفة، وهذه تشمل في العادة المؤشرات الاقتصادية الرئيسة مثل معدل الفائدة السائد ومعدل نمو الاقتصاد والناتج المحلي والبطالة وتكلفة المواهب وغير ذلك. والمجموعة الأخرى تشمل السمات الداخلية الخاصة بالشركة مثل الحجم، والسيولة، وهيكلة رأس المال والميزات التنافسية وإدارة الموارد والقدرات الإدارية. وهناك كم هائل من النماذج والأبحاث التي تنظر في هذه المحددات وتدرس درجة تأثيرها في أسواق أو قطاعات محددة. هناك بالطبع تباين في النتائج لكن المحصلة دائما تنحصر في قدرة الشركة ـ وإدارتها ـ على الخروج بأفضل معادلة تجعلها تستفيد من الظروف المحيطة بها والموارد المتاحة لها، لتحقق أفضل أداء ممكن.
بالعودة إلى نتائج سوقنا المالية، وعلى الرغم من أن 2022 لم يوسم بالعام الجيد على المستوى العالمي، إلا أنه يعد أحد أهم أعوام العودة من آثار الكوفيد. تأثرنا في 2022 مثل غيرنا بارتفاع أسعار المواد وارتفاع معدلات الفائدة، لكن مر اقتصادنا بحالة نمو مميزة في الفترة نفسها ازدهر فيها عدد من القطاعات وتزايد الدعم والاستثمار الحكومي في عديد منها. ومع ذلك لم نر تحسنا جوهريا في عدد غير قليل من الشركات "المدرجة" التي تسلط عليها الأضواء في بيئة الأعمال المحلية. قد يكون للعناصر الداخلية دور رئيس، مثل القدرات الإدارية في هذه الشركات وملاءمة استراتيجيتها ومستوى الأداء المالي والتشغيلي بما في ذلك هيكلة رأس المال والتمويل والميزات التنافسية وإدارة العنصر البشري. وإن صح، فهي تحتاج إلى تطوير جذري وممارسات فاعلة ومؤثرة تمكنها من الاستفادة من الفرص الاستثنائية المتاحة.

إنشرها