Author

اقتصاد المناسبات بين الحاجة والإغراء

|

في كل أنحاء العالم توجد مناسبات خاصة تميز كل بلد، وتمثل المناسبات فرصا خصبة لكثير من الأمور، منها الفرح، ومنها التعبد، ومنها النشاط الاقتصادي، لذا يتطلع الناس إليها بكل شوق، وترقب، وسرور، لما تعنيه من استرخاء، أو كسب مالي، أو استرجاع لذكريات مجيدة، كاستقلال دولة، أو توحد بين مكونات الدولة، أو انتصار في حرب، أو مناسبة دينية يشعر خلالها الناس بأداء التكليف بكل سرور.
المناسبات تختلف من مجتمع إلى آخر، وإن كان هناك تجانس في بعض الأحيان، فالعالم العربي، والإسلامي أهم مناسباته صوم رمضان، وفريضة الحج، وما يعقبهما من أعياد، كما أن لكل دولة مناسباتها الخاصة، كالأيام الوطنية التي تختلف الأنشطة فيها من بلد إلى آخر، إلا أن أهم ما يميزها افتخار الجميع، وشعورهم بالكبرياء لإنجازات آبائهم، وأجدادهم بما تحقق لهم ولأجيالهم.
الغرب رغم اختلاف لغاته، ومواطنه الجغرافية كما بين أمريكا وأوروبا، إلا أن الرابطة الدينية تجمع بين الجميع في عيد مولد المسيح -عليه السلام- وكذلك رأس السنة، وعيد الشكر وغيرها من الأعياد، إضافة إلى الأعياد الخاصة بكل دولة.
المناسبات كما ذكرت يصاحبها كثير من الأنشطة، ولعل المجال الاقتصادي يمثل الأكثر في الاستعداد، حيث يمثل دورة اقتصادية قوية يتم الاستعداد لها قبل المناسبة بأشهر، إن لم يكن طوال العام. في الغرب كما أسلفت تتزين المحال، ويعاد ترتيبها، وتنظيمها، وتعرض المنتجات ذات العلاقة بالمناسبة، كالهدايا، والملابس، والمأكولات بشكل مغر للمتسوق القادر على الاقتناء وغير المقتدر، وهذه من أساليب الترغيب، والجذب التي تبدع بها الشركات، والمحال، لما يوجد من تنافس بينها، فشجرة الميلاد، ومنتجات بابا نويل توجد في كل المحال لما تمثله من فرص للكسب، كما أن عيد الشكر يركز فيه على الديك الرومي، وما يرتبط بوليمته الخاصة في ذلك اليوم.
في عالمنا الإسلامي يوجد تميز بين مناسبتي شهر الصيام، ومناسبة الحج، فمناسبة الشهر الفضيل تكون عروض المآكل بكل أنواعها، وأذواقها، وألوانها هي السائدة في الأسواق، حيث يتم عرضها، والترويج لها في جميع الطرق من دعايات تليفزيونية، أو ورقية، أو طريقة عرضها داخل المحل، إذ تتكدس الرفوف، والممرات بشكل يحقق مزيدا من الإغراء، والتشويق، كما يتمثل الاستعداد في مزيد من المنتجات الجديدة.
من ملاحظاتي خلال فترة الاستعداد لموسم رمضان هذا العام تعمد بعض المحال إعفاء المتسوقين من ضريبة القيمة المضافة تسهيلا على الناس، وجذبا لهم، خاصة مع منافسة المحال الأخرى، كما لاحظت إعطاء عروض على بعض المنتجات، خاصة البضائع التي يقل استهلاكها في رمضان، وهذا شيء جيد لاقتنائها لما بعد رمضان، كما لاحظت منح بعض المحال قسائم للمتسوق الذي يشتري بمبلغ محدد وتتضمن القسيمة مبلغا محددا يتم خصمه من قيمة عملية الشراء اللاحقة إذا بلغت، أو تجاوزت المبلغ المحدد، إلا أن ما يعيب هذا الإجراء هو تحديده بمدة قصيرة، وهذا يفقد البعض إمكانية الاستفادة منه، والأفضل زيادة المدة، تسهيلا على شرائح اجتماعية بحاجة إلى مثل هذه العروض.
أما في موسم الحج فالأمر مختلف فبضائعه تتمثل في الهدي، والأضاحي، والعاملون في هذا المجال من المربين، والمستوردين تكون استعداداتهم مبكرة في عملية الإنتاج، والتسمين، والعناية بالصحة، وطلب الاستيراد بشكل مبكر لاغتنام المناسبة التي لا تفوت، وتجدر الإشارة إلى أن المناسبتين تشتركان في بعض الأمور خاصة ما يتعلق بالعيد من ملابس ومجوهرات، وهدايا، وألعاب، ومفرحات.
لا شك أن سلوك التبضع تتنازعه قوتان القوة الأولى الحاجة التي تدفع المرء إلى الشراء حسب قدرته، وأحيانا بما يفوق قدرته، أما القوة الثانية فهي قوة الإغراء الناجمة عن طريقة العرض، والدعاية الثابتة، أو المتحركة بألوانها، وأشكالها، وأحجامها، وما يصاحب ذلك من عناصر إثارة تكسر روح المقاومة لديه، ولذا ينصح علماء نفس التسوق بضرورة تحديد الاحتياجات قبل الذهاب، وفي المحل الذهاب مباشرة إلى أماكنها، والتقليل من الوقت داخل المحل، وتجنب المرور من بعض الأماكن، حتى لا يقع المرء في شراك الإغراء.
لو تأمل المرء في سلوك التبضع لديه لربما اكتشف أنه اشترى أشياء ظن أنه بحاجة إليها في وقته، لكنه ركنها في مكان ما في المنزل ليكتشف لاحقا أن لديه أكثر من نسخة من المنتج نفسه، وقد يكون جهازا لم يتم استخدامه، وأنتج من نوعه ما يفوقه في المميزات.

إنشرها