Author

الاقتصاد الأمريكي .. هل الركود أمر واقع؟

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"الاقتصاد الأمريكي في موقع أفضل للنمو أكثر من أي بلد آخر على وجه الأرض"
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
بينما تعلق الآمال على نمو الاقتصاد الصيني في العام الجاري، لدفع النمو العالمي عموما، تبقى الأسئلة حول وضعية الاقتصاد الأمريكي خلال 2023. الأنظار تبقى شاخصة على أكبر اقتصادين في العالم، وحراكهما في ظل حالة من عدم اليقين تؤكد وجودها المؤسسات الاقتصادية الدولية كلها.

فالنمو الصيني يعني ببساطة دعما مباشرا لنمو يحتاج إليه العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعد ضربات موجعة أتت بها جائحة كورونا، والحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا، وهي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، في وقت لا يزال فيه التضخم يمثل الخطر الأكبر، ولا تزال السياسات المضادة بعيدة عن تحقيق أهدافها، بما في ذلك بالطبع جلب نسبة ارتفاع أسعار المستهلكين إلى 2 في المائة، المعدل الذي تضعه أغلبية الحكومات حول العالم كهدف لتحقيقه.
ومهما كان شكل الصورة الاقتصادية الراهنة، فإن التضخم يبقى اللافتة العريضة فيها، الأمر الذي طرح معادلة ينظر إليها البعض برعب شديد، وهي، إذا عزمنا على كبح جماح ارتفاع أسعار المستهلكين، فعلينا أن نضع في اعتبارنا أن الاقتصادات ستكون "ضحية". بمعنى آخر أن النمو لن يكون حاضرا على الساحة لفترة طويلة، بينما تستمر عمليات التشديد النقدي.

والنمو المطلوب لأي اقتصاد حول العالم، لا بد أن يرتبط بحالة اقتصادية صحية وليست مضطربة، ولذلك فإن مواصلة التشديد أفضل من توفير التسهيلات لدعم نمو سيأتي بالتأكيد في مرحلة مقبلة، بصرف النظر عن توقيتها. وهناك دائما التجربة السريعة التي مرت بها بريطانيا الصيف الماضي، وأدت إلى دفع رئيسة الوزراء ليز تراس، إلى الاستقالة بعد 44 يوما من وجودها في "داونينج ستريت".
أرادت تراس أن تخفض الضرائب لدفع النمو إلى الأمام، لكنها لم تستطع تحديد مصدر واحد للمال من أجل تغطية هذا الخفض.

وهذا يعني أن النمو "رغم أنه مطلوب" يجب أن يستند إلى الحد الأدنى من القواعد الصحية. أغلب التقديرات تتحدث عن نمو في الولايات المتحدة ربما يصل هذا العام إلى 1.4 في المائة.

ورغم تواضع هذا المعدل، فإن مجرد تحقيقه يعد انتصارا اقتصاديا في مثل هذه الظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي ككل.

لكن التحذير الأخير في تقرير عرضه المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي"، حمل كثيرا من المخاوف، ليس من عدم الوصول إلى مستوى النمو المتوقع، بل من إمكانية انزلاق الاقتصاد الأمريكي إلى الركود.

صحيح أن المشرعين الأمريكيين لم يؤكدوا حدوث ذلك، إلا أن الخطاب العام بات مليئا بهذه "النغمة". والمثير، أن التقرير تحدث صراحة وبالحرف "أنه لم يحصل من قبل أن نجح بنك مركزي في مكافحة التضخم، دون تضحية اقتصادية، أو ركود كبير".
وإذا ما حدث حقا "الركود الكبير"، فهذا يعني أنه لن يكون قصيرا. المسألة واضحة، لا بد من مواصلة رفع معدلات الفائدة بصورة دورية، ولو بمستويات بسيطة، حتى إن بلغت بنهاية العام الحالي حدود 5 في المائة.

والمشكلة تعمقت أكثر، بعد أن عاد التضخم إلى الارتفاع في الولايات المتحدة الشهر الماضي، بينما كانت كل التوقعات تشير إلى انخفاضه بصورة طفيفة، أو على الأقل ثباته.

المثير أيضا فيما ورد في التقرير المشار إليه، أنه أشار إلى أن "الاحتياطي الفيدرالي" قام في أواخر سبعينيات القرن الماضي برفع كبير جدا للفائدة للتصدي لفورة التضخم. بل وجد أن هناك تأخيرا الآن في معالجة ارتفاع أسعار المستهلكين.

هذه إشارة أخرى، إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة ربما لن يحقق النمو المتوقع هذا العام، على الرغم من بعض الإشارات الإيجابية، وفي مقدمتها انخفاض معدل البطالة إلى أدنى المستويات عند 3.4 في المائة. بل لا يزال هناك نقص في اليد العاملة.
بالطبع الأمور تغيرت منذ سبعينيات القرن الماضي عما هي عليه الآن، لكن المسألة ذاتها، مع ضرورة الإشارة إلى أن جائحة كورونا تركت على الساحة تداعيات اقتصادية خطيرة، وستظل هذه التداعيات أعواما عديدة مقبلة.

غير أن الواقع يحتم على أن تكون سياسة التشديد النقدي الأمريكي هي الثابتة على الأقل خلال هذا العام، وربما العام المقبل. لا أحد يتحدث عن تحقيق هدف خفض التضخم إلى 2 في المائة، لكن بلا شك يمكن أن يقترب ارتفاع أسعار المستهلكين من هذا المستوى في مرحلة ما العقد الحالي، خصوصا أن وضعية الاقتصاد الأمريكي تبقى أفضل من وضعية الاقتصادين الأوروبي والبريطاني، فيما لو تمت المقارنة بين الاقتصادات الغربية المتقدمة.
في الأشهر القليلة المقبلة، سيتضح مؤشر أكبر اقتصاد في العالم، هل سيمضي نحو نمو متواضع لكنه ثابت، أم سيدخل في دائرة ركود طويلة، بحسب ما ورد من احتمالات في التقرير الذي عرضه "الاحتياطي الفيدرالي"؟ لقد أثبتت التجارب السابقة عبر التاريخ، أن السيطرة على التضخم تحتاج بالفعل إلى تضحيات وقرارات غير مرغوبة وغير شعبية.

إنشرها