Author

وضع الدين الأمريكي في حجمه الحقيقي «1 من 2»

|

تسبب الصخب الدائر في الولايات المتحدة بشأن سقف الدين الفيدرالي في إعادة توجيه الاهتمام نحو الاقتراض العام المتصاعد بشدة. ففي ظل خلفية من التشديد النقدي الذي ينتهجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يعزز تكديس مزيد من الديون المخاوف من نمو متفجر في التزامات الفائدة المستحقة على الحكومة. يمثل هذا التصور رواية مخيفة توحي أجواؤها بأزمة وشيكة، غير أن المشكلة الوحيدة تكمن في بطلان كل عنصر من عناصرها تقريبا.
أولا، الدين الحكومي ليس في تصاعد كبير، إذ يتوقع مكتب الميزانية في الكونجرس ارتفاع الدين العام من أدنى من 100 في المائة بقليل من الناتج المحلي الإجمالي في 2022 إلى أكثر قليلا من 110 في المائة 2023. ومع ما تستوجبه تلك الزيادة من المراقبة والاهتمام، فإنها لا تعد كارثية بأي حال من الأحوال. ورغم ما يراه مكتب الميزانية بعد ذلك من تسارع وتيرة ارتفاع نسبة الدين، مدفوعا بالصرف على برامج الاستحقاقات، هناك مشكلات أكثر إلحاحا تستدعي الانتباه اليوم مقارنة بما سيحدث بعد 2023.
تشمل قائمة الاحتياجات الملحة تجديد البنية التحتية الأمريكية، وتفادي كارثة مناخية، وتوفير التعليم والتدريب للأجيال الناشئة. إن تقليص مخصصات البرامج العامة الأساسية الآن لمعالجة مشكلة دين لن تبدأ حتى في التشكل قبل عقد من الزمن يجعلنا نبدو وكأننا نطلق النار على أقدامنا.
ثانيا، تكاليف الفائدة ليست في نمو متفجر كما يتصور. لا أنكر أن مستوى التضخم لا يزال مرتفعا، ما يدفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى الارتفاع. لكن، بما أن الخزانة الأمريكية تصدر سندات طويلة الأجل، تعتمد تكاليف خدمة الدين بالتالي على أسعار الفائدة طويلة الأجل، التي ارتفعت بنسبة أقل، حيث يبلغ سعر الفائدة على سندات العشرة أعوام الحكومية حاليا 3.6 في المائة، بينما تقف توقعات مكتب الميزانية في الكونجرس للتضخم في هذا الجانب عند 2.4 في المائة، وبالتالي يبقى مستوى سعر الفائدة الحقيقي "المعدل حسب التضخم" المناسب لحساب عبء الفائدة عند 1.2 في المائة فقط.
وكما يذكرنا أوليفييه بلانشار، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي سابقا، في كتاب جديد قيم، فإن المهم هو الفرق بين سعر الفائدة الحقيقي ومعدل نمو الاقتصاد. فإذا كان سعر الفائدة الحقيقي أقل من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المعدل حسب التضخم، فمن الممكن أن تهبط نسبة الدين حتى عندما تسجل الحكومة عجزا في الميزانية. وهنا نجد أن توقعات مكتب الميزانية في الكونجرس للنمو خلال الأعوام العشرة المقبلة تبلغ 1.7 في المائة، أي أعلى من سعر الفائدة الحقيقي.
وهذا ليس ترخيصا أو تبريرا للانغماس في إنفاق غير محدود، لكنه يعني أننا لو أخذنا في الحسبان نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغة 100 في المائة، فإن احتمالية تسجيل الحكومة الفيدرالية عجزا مقداره 0.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "وهو الفرق بين 1.7 و1.2 في المائة" فوق مدفوعاتها لسداد الفوائد لن تتسبب في رفع نسبة الدين... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2023.

إنشرها