حمائية أمريكية وأضرار أوروبية

لم ينته 2022 هادئا في العلاقات الدولية، بعد أن صدر قانون خفض معدلات التضخم في الولايات المتحدة، الذي منح الصناعة الأمريكية إعفاءات ضريبية واسعة، تمكن من تحقيق وفر للمستهلك النهائي، في خطة مدتها عشرة أعوام، ترفع فيها واشنطن شعار محاربة أزمة المناخ، بينما هي في الواقع محاربة النفوذ الصيني ومنعه من الازدهار التكنولوجي، وبأي حجة كانت فإن القانون يعمل على توفير ائتمان ضريبي عموما للمركبات الكهربائية المؤهلة التي تم التجميع النهائي لها في أمريكا الشمالية، وذلك حسب متطلبات التجميع النهائي، كما نص "قانون خفض التضخم" على تخصيص 430 مليار دولار، تقدم على شكل إعانات للصناعات الخضراء مثل الشركات المصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية، وذلك على غرار النموذج الصيني للإعانات على أراضيها، والشرط المتشدد هو أن تصنع الشركات هذه المنتجات في أمريكا الشمالية، هذا التخصيص يضع أوروبا وكوريا الجنوبية وكذلك اليابان ضمن الحزمة المستهدفة جنبا إلى جنب مع الصين، بينما توجد المكسيك وكندا ضمن الاستثناء.
كما تضمنت الخطة الأمريكية لمواجهة ازدهار التكنولوجيا الصينية قيودا على تصدير بعض المكونات الإلكترونية إلى الصين باسم المصلحة الوطنية بتبنيها قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم "تشيبس آكت"، الذي يوفر نحو 53 مليار دولار لدعم إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، وصولا إلى "قانون خفض التضخم".
والولايات المتحدة بكل هذا تسعى إلى مصلحتها "أولا وقبل كل شيء" كما يقول أحد الباحثين في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية.
وقالت سيسيليا مالمستروم المفوضة الأوروبية السابقة للتجارة العالمية "إن أوروبا أصبحت ضحية نوعا ما"، فيما يرى باسكال لامي، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، أن الخطة معادية لأوروبا أكثر مما هي معادية للصين، وعلى أوروبا ممارسة الضغط على واشنطن.
لذلك استنفرت أوروبا دبلوماسيتها من أجل إيجاد حل سريع من خلال زيارة وزيري الاقتصاد الفرنسي برونو لومير والألماني روبرت هابيك واشنطن حتى قبل أن يعد الاتحاد الأوروبي رده على هذه الخطة في انعقاد قمته في التاسع والعاشر من شباط (فبراير).
ولا شك أن أوروبا تواجه أزمة جديدة من نوع مختلف، فإذا كان القانون الأمريكي يسعى إلى إخراج الموردين الصينيين من سلاسل إنتاج الطاقة النظيفة، في الولايات المتحدة، حيث تشكل الصين لاعبا رئيسا في قطاع السيارات الكهربائية مع سيطرتها على 78 في المائة من الإنتاج العالمي لخلايا البطاريات وثلاثة أرباع المصانع الكبرى لتصنيع بطاريات الليثيوم- أيون، إلا أن الولايات المتحدة تبدو كأنها تعمل دون تنسيق مع الجانب الأوروبي، فالمكونات الصينية تدخل في صلب عملية تصنيع السيارات الكهربائية في القارة، كما أن سلاسل إمداد الطاقة النظيفة في أوروبا تعتمد بشكل قوي على الصين، وأي قانون يستهدف الصناعة الصينية بمثل الطريقة التي استهدف بها قانون مكافحة التضخم الأمريكي، فإنه يتضمن استهدافا للصناعة الأوروبية كذلك، فلا يمكن لأوروبا أن تعيد هيكلة صناعتها بهذه الطريقة، ليس هذا فحسب بل إن الجهود الاقتصادية الأوروبية الرامية إلى تحقيق إصلاح في الهيكل الصناعي تجعل الاتحاد الأوروبي واحدا من القوى العظمى الثلاث للصناعة الخضراء في القرن الـ21 إلى جانب الصين والولايات المتحدة، هذه الجهود ستكون في مهب الريح لو أصرت الولايات المتحدة على فرض عدم استثناء أوروبا، فأوروبا وضعت خططا تصل قيمتها إلى 400 مليار يورو، لأجل تحقيق تحول صناعي كبير في السيارات الكهربائية، لكن الخطة الأمريكية التي تتضمن امتيازات تنافسية مع أسعار منخفضة للطاقة في الولايات المتحدة ستشكل خطرا على الصناعة في الاتحاد الأوروبي.
ورغم هذه التصريحات المعادية للصين بشكل واضح لازدهار الصناعة الصينية حتى من الجانب الأوروبي الذي لا يزال يفضل الولايات المتحدة كحليف استراتيجي، فإن ردة فعل الصين تجاه ذلك لم تزل تتبلور، وهناك مخاوف من حدوث سباق على الإعانات بين الولايات المتحدة والصين، كما حصل في السباق على الرسوم في عهد الرئيس الأمريكي ترمب، ما قد يجعل العالم ينقسم فعليا إلى معسكرين كلما تزايدت حدة الاستقطاب، هذا الاستقطاب بهذه الطريقة التي لا تراعي قواعد التنافسية العالمية.
وطبقا لتصريح لومير وزير الاقتصاد الفرنسي، إن العالم لا يعاني فائضا في إنتاج البطاريات أو الألواح الشمسية أو في أشباه الموصلات.

بالعكس، ليس هناك إنتاج كاف، وهذه الحمائية والتنافسية على الدعم قد تتسببان في تأخير تطوير صناعة البطاريات الكهربائية، بعكس لو تمت القدرة التنافسية من خلال تطوير صناعة صديقة للبيئة تتسم بالكفاءة وتنمية الابتكارات على وجه الأرض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي