Author

ليرة لبنان المريضة تتدهور

|

عندما لا يكون لدى البنك المركزي ما يكفي من الاحتياطيات النقدية الأجنبية فلن يكون قادرا على حماية سعر الصرف المثبت مقابل الدولار، وعندها سيضطر إلى تعديل سعر الصرف، وهذا ما حصل أخيرا في لبنان حيث تم تغيير سعر الصرف الرسمي على الفور من 1500 إلى 15 ألف ليرة للدولار.
مشكلة سعر الصرف في لبنان أنه لم يكن هناك سعر صرف واحد، بل هناك عدة أسعار صرف رسمية متباينة إلى جانب أسعار صرف غير رسمية، وصلت هذه الأخيرة قبل أيام إلى أعلى من 60 ألف ليرة للدولار.

القضاء على تعددية أسعار الصرف هو أحد المطالب التي يشترطها البنك الدولي على لبنان إن كان يرغب في الحصول على دعم من البنك الدولي، إلى جانب قائمة طويلة من الإصلاحات الهيكلية والمالية من أجل النهوض بالاقتصاد اللبناني.
قبل أكثر من عام صنف البنك الدولي أزمة لبنان على أنها ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن الـ19، ويبدو أنها الآن أسوأ بكثير مما تبين للبنك الدولي في ذاك الوقت.

تقدر خسائر القطاع المصرفي بسبب ظروف الليرة اللبنانية بأكثر من 70 مليار دولار، أحد أسبابها أن نسبة كبيرة من الودائع لم توجه إلى القطاع الخاص، كما ينبغي وكما هو متوقع في أي اقتصاد حر نشط، بل إن نحو 70 في المائة من الودائع كانت تستثمر في القطاع الحكومي الذي يعاني ترهلات وفسادا كبيرا بلا أي عوائد إيجابية ملموسة.
الخطة الجديدة للحكومة اللبنانية تشمل تعديل سعر الصرف وتحميل المودعين جزءا كبيرا من الخسائر، لكن بغياب تام إلى ما يشير إلى أي جدية في سبيل مكافحة الفساد وتقديم المتورطين فيه إلى العدالة، ما جعل البعض يرى أن هذه الخطة جاءت بإعداد من منظمة "حزب الله" المسيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية واقتصادها، المرتهنة قراراتها وكل شؤونها لإيران ومرشدها.
أسباب الشكوك في نزاهة الخطة الحكومية أن معظم المنتمين إلى "حزب الله" والمؤثرين فيه لا يتعاملون مع البنوك الرسمية، بالتالي لا ضرر مباشر عليهم من تحميل المودعين خسائر القطاع المصرفي، كما أن عدم تناول قضية الفساد يعده البعض نوعا من الحماية لميليشيا "حزب الله".
مشكلة الاقتصاد اللبناني كبيرة وبحاجة إلى تدخل عاجل لإصلاح ما يمكن إصلاحه، فقد وصل الناتج المحلي الإجمالي إلى قمته التاريخية عند 55 مليار دولار في 2018، ثم بدأ الانخفاض الحاد إلى 23 مليار دولار وسط ركود اقتصادي وتراجع في نسبة النمو لما تحت الصفر، حيث سجل الناتج تراجعا بـ7 في المائة في 2021. وتاريخيا أعلى نمو للاقتصاد اللبناني كان في 1991 حين حقق نموا بـ49 في المائة.
بلغ الدين الخارجي للبنان 67 مليار دولار بنهاية 2021 ـ بحسب البنك الدولي ـ وقد كان فقط عشرة مليارات دولار في 2000، ثم أخذ بالارتفاع إلى أن وصل 80 مليار دولار في 2018، ولا نعلم حجمه الحالي، إلا أن التقديرات تشير إلى أن الجزء المستحق على المدى القصير من إجمالي الدين الخارجي نحو 19 في المائة، ما يعني ربما ما بين 12 و15 مليار دولار مستحقة خلال أشهر قليلة.
في الوقت نفسه تبلغ الاحتياطيات الأجنبية نحو 13 مليار دولار فقط، وقد كانت بحسب البنك الدولي أكثر من 38 مليار دولار بنهاية 2019، وانخفضت إلى 23 مليار دولار العام الماضي. كذلك هناك تراجع في الاستثمار الأجنبي المباشر إلى لبنان حيث انخفض من 2.9 مليار دولار في 2020 إلى 500 مليون دولار في 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 200 مليون دولار لـ2022.
في أعوام سابقة كان متوسط المرتب الشهري لموظفي الدولة نحو ثلاثة ملايين ليرة، وقد كان ذلك يعادل ألفي دولار شهريا، وفي العام الماضي حين كانت 20 ألف ليرة تعادل دولارا واحدا، انخفض ذلك إلى نحو 150 دولارا كراتب شهري للموظف، والوضع أسوأ من ذلك في السلك العسكري حيث المرتبات الشهرية أقل من ذلك.
الدولة اللبنانية بحاجة إلى وقفة حاسمة للسيطرة على أوضاع البلاد المتدهورة، وإعادة هيكلة كثير من بناها التحتية، وضبط أموال الدولة والحد من الفساد المستشري، والقيام بما يلزم للتنسيق مع الجهات الدولية الرسمية لإيجاد الحلول، التي ربما تسهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

إنشرها