Author

الذكاء الاصطناعي والسؤال الكبير

|

تعد شركة OpenAI التابعة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك واحدة من أكبر اللاعبين في قطاع الذكاء الاصطناعي، وكما تعرف الشركة نفسها في موقعها الإلكتروني بأنها شركة أبحاث ونشر في مجال الذكاء الاصطناعي مهمتها التأكد من أن هذا القطاع العام يفيد البشرية، وقد عرف الموقع مفهومه العام AGI -بأنه الأنظمة ذاتية التحكم للغاية التي تتفوق على البشر في معظم الأعمال ذات القيمة الاقتصادية- وتعود بالفائدة على البشرية جميعا، وانطلاقا من هذا المعنى أطلقت هذه الشركة برنامجا يسمى دردشة جي. بي. تي ChatGPT في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، الذي أصبح حديث الساعة منذ ذلك الحين.
وبالعودة إلى المصطلح الذي وضعته شركة أوبن. إيه. آي، فإن الذكاء الاصطناعي يجب أن يتفوق على البشر في معظم الأعمال ذات القيمة الاقتصادية، وأن هذه العبارة في غاية الأهمية لندرك الأثر المستقبلي لمثل هذه المشاريع والأبحاث والدراسات، فالمسألة تعود إلى مقياس التكلفة والعائد، فكلما ارتفعت فاتورة الموارد البشرية في أي قطاع اقتصادي، فإن احتمالات أن ينفذ الذكاء الاصطناعي إليها ويحل محل البشر تتزايد، ومع ذلك فإنه حتى الآن لا ينافس غير العمال البسطاء، فهو يحمل محل العمال في التصنيع، وسائقي السيارات والحافلات، ورغم الوعود الكبيرة، فإن ظهور برنامج الدردشة جي. بي. تي. لم يقدم كثيرا من التحسن المنتظر بخلاف أنه قادر على الإجابة عن أي سؤال تريد أو يقوم بحل الواجب بدلا عنك، فهو مجرد خطوة إلى الأمام، مقارنة ببرنامج جوجل الشهير، لكن مع ذلك فإن هناك كثيرا من الصخب حول مستقبل هذه التقنية، خاصة إذا ما تم دمجها فعليا مع الآلات التي تعمل في المصانع والسيارات ذاتية القيادة، على أنها ستتسبب في تغيرات قانونية جذرية وطرح أسئلة أخلاقية متنوعة.
ولفهم الوضع الراهن نشرت "الاقتصادية" دراسة تجريبية خاصة بها، لفحص فاعلية برنامج جي. بي. تي. وقدرته البحثية وإلى أي مدى يمكن أن يساعد على تنفيذ المهمات، فتمت كتابة سؤال واحد بلغتين "كيف يمكن أن يكون برنامج جي. بي. تي. مفيدا للاقتصاد العالمي؟". وأن هذا السؤال العميق جاء من النص الذي تدعي شركة OpenAI التابعة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك أنها تفعله، فهي تدعي بأن تطوير الذكاء الاصطناعي هو لنفع البشرية، وإذا كان هذا صحيحا فإنه بنفسه يجب أن يكون قادرا على تحديد ما ينفع البشرية، وهنا أكبر سؤال فلسفي أخلاقي يتحدى الذكاء الاصطناعي، وهو ما سألته "الاقتصادية" بوضوح، لقد كانت الإجابة باللغة الإنجليزية غير تلك التي وردت باللغة العربية، فبينما جاءت الإجابة الإنجليزية أنه "يمكن لدردشة GPT أن تساعد على تعزيز التعاون بين الشركات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم".
ويمكن وصف البرنامج بمنزلة منصة للشركات والمؤسسات للتفاعل وتبادل الأفكار والمعرفة وتنسيق الأنشطة، كما تساعد دردشة GPT أيضا على تقليل تكلفة الاتصال الدولي من خلال توفير نظام أساس آمن وموثوق للتواصل. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد هذه الدردشة على زيادة كفاءة المعاملات الاقتصادية العالمية بتوفير خاصية الوصول الفوري إلى البيانات والمعلومات من جميع أنحاء العالم. وإن الإجابة العربية جاءت بنص مختلف بحيث يمكن أن يساعد الاقتصاد العالمي بتوفير محتوى أكثر تحديدا للعملاء في الهواتف الذكية. ويسمح للعملاء بالتواصل الفوري مع الشركات والمؤسسات، التي تساعدهم في الحصول على المساعدة المطلوبة. ويمكن أيضا لبرنامج GPT Chat التعاون مع الشركات لتحسين الخدمات، التي يقدمها العملاء، وبالتالي يسهم في زيادة الطلب على السلع والخدمات في الاقتصاد العالمي. يمكن أيضا لهذا البرنامج المساعدة على تحسين التواصل الإنساني والتعاون بين الشركات والمؤسسات والمشاريع الصغيرة والكبيرة.
ومن الواضح أن الذكاء الاصطناعي ينظر إلى العالم الذي يتحدث العربية بغير ذلك العالم الذي ينطق اللغة الإنجليزية، فبينما يراعي منافع الشركات ومؤسسات الأعمال في الإنجليزية، فإنه يعد المنافع الموجهة إلى العملاء في العالم، الذي يتحدث العربية، ولو أضافت "الاقتصادية" لغات مختلفة لجاءت النتائج مختلفة، لعل الذكاء يمايز بين المستهلكين والمنتجين، لكنه رغم بساطة هذه الإجابة، فإن الحقيقة تكمن في المحتوى الحقيقي الكافي في إعلام الشبكة العنكبوتية التي يستمد منها البرنامج ذكاءه، فالبرنامج تتم تغذيته بمعلومات من ويكيبيديا ومكتبات الكتب الرقمية وغيرها، ولذلك فإن البرنامج سيكون ذكيا باللغة التي ستكون أكثر حضورا في المحتوى الأكثر اتساعا في عالم الإنترنت. وهذا سيدفع بالتحدي إلى أقصاه في إقصاء أو تسخير هذه الأدوات لتحقيق ما أسمته الشركة بالنفع الاقتصادي.

إنشرها