دبلوماسية خطوط الأنابيب والنجاح «1 من 2»

عندما كنت طالبا في بولندا أسهمت في تنظيم المساعدات المقدمة للعاملين الذين تم فصلهم من العمل أو سجنهم بسبب مشاركتهم في الإضرابات والاحتجاجات ضد النظام المدعوم من السوفيات. وبعد سقوط الشيوعية، كنت من بين الأصوات القليلة في أوروبا التي حذرت من الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي. وعندما شغلت منصب رئيس مكتب أمن الدولة في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وضعت خطة لإيجاد مصادر بديلة للطاقة. وأثمرت هذه الخطة في أيلول (سبتمبر) 2022 مع افتتاح خط أنابيب البلطيق الذي يربط بولندا بحقول الغاز الطبيعي البحرية في النرويج، بعد أشهر من توقف روسيا عن توريد شحنات الغاز لبولندا. وفي هذا الإطار، عملت كمفوض الحكومة للبنية التحتية الاستراتيجية للطاقة.
في 1991، عندما تم انتخاب حكومتي، قررت أن البلاد بحاجة إلى التحرر من الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي. وكانت هنالك حيثيات لتطبيق هذا القرار فقد تولينا مقاليد الحكم بنهاية العام. وفي مطلع كانون الثاني (يناير)، بدأت إمدادات الغاز "الروسي" بالانخفاض شيئا فشيئا على نحو مفاجئ. وفي ذلك الوقت، كان الغاز جزءا كبيرا بالفعل من إمدادات الطاقة في بولندا. وشكلنا لجنة خاصة لتقييم المنشآت الصناعية التي ينبغي قطع إمدادات الطاقة عنها في حالة الضرورة.
وكان الروس غير منظمين إلى حد كبير آنذاك بسبب تفكيكهم الاتحاد السوفياتي في كانون الأول (ديسمبر) 1991. وفي موسكو، دائما ما كانوا يقولون لنا، "لا تقلقوا، فالأمر لا يعدو كونه مجرد مشکلات تنظيمية". وبحلول منتصف يناير، استأنفوا الإمدادات.
لكن في واقع الأمر، كان ذلك إشارة إلى ما يمكن أن يحدث لنا مستقبلا. ففي الوقت الذي قرر فيه الروس استراتيجية جديدة لدول وسط أوروبا -التي كانت في سبيلها للخروج من دائرة النفوذ الروسي- عزموا على إطلاق هذه الخطة "للاستعاضة عن الدبابات بخطوط الأنابيب". لذلك بدأنا بالبحث عن حلول أخرى لتنويع الإمدادات.
لكن بعد بضع بدايات وتغييرات خاطئة في الحكومة، بدأت في 2016 محادثات حول إنشاء خط أنابيب البلطيق. وكانت له أهمية كبرى بالنسبة إلى أمن الطاقة في بولندا وبالنسبة إلى أوروبا، ومن المقرر أن تبلغ الطاقة الاستيعابية لخط أنابيب البلطيق عشرة مليارات متر مكعب سنويا، وهو ما يمثل نحو نصف الطلب البولندي ويحل محل شحنات الغاز الروسي بالكامل. وإلى جانب محطة الغاز الطبيعي المسال التي تعمل بالفعل وخطوط أنابيب الربط البيني التي تم تشغيلها أخيرا مع ليتوانيا والجمهورية السلوفاكية، ستتحرر بولندا من مناورات الغاز الروسية. ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة في الوقت الحالي الذي يتعين فيه على أوروبا مواجهة استخدام روسيا سلاح شحنات الهيدروكربونات.
وحول السؤال عما مدى خطورة أزمة الطاقة، وإلى متى ستدوم؟ في رأيي، أن تأثير هذه الأزمة سيكون بالعمق نفسه لتأثير أزمة سبعينيات القرن الماضي. وسيستغرق الأمر بعض الوقت لإطلاق خطط جديدة، وإجراء استثمارات جديدة، وتنويع إمدادات الغاز إلى أوروبا وسياسات الطاقة الأوروبية. ولن تقتصر مدة هذه الأزمة على شتاء واحد فقط، بل ستستمر خلال العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي