سياسات نقدية مخالفة للقواعد الاقتصادية

معاناة الاقتصاد التركي كبيرة، ما بين دين خارجي بنحو 450 مليار دولار وعجز في الحساب الجاري بلغ 48 مليار دولار في 2022، أدى ذلك إلى تدهور في سعر الصرف وصل مقابل الدولار إلى أكثر من 18 ليرة، ومعدل تضخم يتجاوز 80 في المائة سنويا، فيما لا تزال الحكومة التركية مصرة على المضي بتطبيق سياسات نقدية عالية المخاطرة ومخالفة للقواعد المتعارف عليها.
هذه الأيام تلقت البنوك في تركيا تعليمات بعدم استخدام عقود العملات الآجلة في عمليات التحوط التي تقوم بها، على أن تلجأ بدلا عن ذلك إلى العقود المستقبلية، التي تتميز عن العقود الآجلة في كونها تقدم من خلال سوق نظامية خاضعة للإشراف الحكومي، من جهة أخرى بسبب محدودية التأثير في سوق العملات الأجنبية، وهذا يعود إلى طبيعة العقود المستقبلية.
الذي يحدث في أسواق العملات الأجنبية هو أن عملاء البنوك يقومون بالتحوط ضد تقلبات سعر صرف الليرة وذلك بشراء عقود آجلة من البنوك لضمان سعر صرف معين للدولار.

بدورها تقوم البنوك بحماية أنفسها من هذه العقود بشراء الدولار من السوق المحلية، ما يؤدي إلى مواصلة الضغط على سعر الصرف وإضعاف الليرة.

كذلك عندما تقوم البنوك بمنح قروض بالعملة المحلية إلى الأفراد والشركات بمعدل فائدة معين، ومن ثم يقوم هؤلاء العملاء بسداد البنوك بالعملة المحلية بعد فترة من الزمن، عندها قد تتعرض البنوك إلى خسائر كبيرة في حال تزامن ذلك مع ضعف الليرة، وذلك لكون أصول البنوك تقيم فعليا بالدولار.

لذا تقوم البنوك بالتحوط ضد الليرة من خلال العقود الآجلة بالدولار، ومثل هذه العمليات تضعف الليرة وتقوي الدولار، وهو الأمر المخالف لتوجهات الحكومة التركية الرامية إلى خفض معدلات الفائدة والسيطرة على سعر الصرف.
السياسة النقدية المتبعة في تركيا بإشراف مباشر من الرئيس التركي تخالف القواعد المعروفة للسيطرة على التضخم التي تتطلب رفع معدلات الفائدة، لا خفضها كما يصر عليه الرئيس التركي. حدثت بالفعل عمليات خفض لأسعار الفائدة الرسمية لكن لم يؤد ذلك إلى أي تحسن في الأوضاع الاقتصادية، فبعد تحسن شكلي في معدلات الفائدة على السندات العشرية التركية من مستويات 20 في المائة وأكثر في أواخر 2017، عادت بنهاية 2021 إلى نحو 30 في المائة للسندات العشرية وإلى نحو 22 في المائة للسندات الحكومية لمدة عام.
التخبط في ضبط السياسة النقدية التركية أدى هذه الأيام إلى انعكاس حاد في منحنى السندات، حيث أصبحت معدلات الفائدة على مدى عشرة أعوام 10.5 في المائة، بينما سندات عام واحد مسعرة حاليا عند 13.7 في المائة.

أي أنه تم بالفعل خفض معدلات الفائدة لكن كما هو متوقع - وعلى العكس مما يظنه الرئيس التركي - ارتفع التضخم بشكل حاد وغير مسبوق، حيث ارتفع التضخم من نحو 20 في المائة قبل البدء بخفض معدلات الفائدة إلى أن تجاوز 80 في المائة في الأشهر القليلة الماضية! السياسة النقدية الغريبة هذه كذلك أدت - كما هو متوقع - إلى تدهور سعر صرف الليرة الذي ارتفع من مستويات ست ليرات للدولار إلى أكثر من 18 ليرة للدولار حاليا.
مخاطر الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد التركي كبيرة، حيث تعاني الدولة حالة ركود تضخمي حادة وذلك لوجود معدل تضخم حاد ومتصاعد وفي الوقت نفسه التراجع في الناتج المحلي الإجمالي مستمر من مستوى 958 مليار دولار في 2013 إلى 720 مليار دولار في 2020، ومن ثم حدوث بعض التحسن في 2021 عند مستوى 819 مليار دولار.

التدهور الاقتصادي يتضح من ارتفاع مؤشر سوق إسطنبول المالي من مستويات ألف نقطة ما قبل 2020 إلى أكثر من خمسة آلاف نقطة في 2022، حيث عادة تتحرك الأصول باتجاه معاكس لانخفاض العملة، ما يعني أن ارتفاع الأسهم التركية ليس إلا مجرد تعويض للمستثمرين من تدهور القيمة الحقيقية لأسهمهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي