Author

متى تكون الديون عبئا على الاقتصاد؟ «2 من 2»

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

من المهم أن نؤكد أن الديون لا تمثل عبئا إذا ما كانت تؤدي دورها الوظيفي والاقتصادي الحقيقيين، وبما أن الدول متفاوتة في شكل نماذجها الاقتصادية ونضوج هياكلها الاقتصادية يمكننا الاعتماد على هذه المعلومة المرجعة، أن الدين يتحول إلى مشكلة عندما يرتفع بشكل أسرع من قدرة الاقتصاد الفعلية على خدمة الدين، لأن خدمة الدين يجب أن تتولد من الاقتصاد الحقيقي وليس تدوير الديون، لأن هذا الأسلوب، أي الاقتراض لمعالجة الديون يؤدي إلى انتشار العسر المالي على مستوى الحكومات والشركات، بالتالي البنك المركزي سيطبق سياساته المتشددة التي تحمي الاقتصاد من الانهيار، والأمر المؤسف أن كثيرا من الدول لا يوجد لها خط رجعة قريب إذا ما وصلت إلى مرحلة انفلات الديون، وهناك تقع الدول في كماشة الإصلاحات الاقتصادية القسرية من مؤسسات الديون الدولية التابعة للأمم المتحدة، وعلى الرغم من أهمية تلك الإصلاحات إلا أن توقيتها سيكون قاسيا على الشركات وقطاع الأسرة في أي بلد، ولا سيما أن تلك الدول لا يوجد لديها إدارة اقتصادية كفؤة وما يتبعها من هشاشة في الميزانيات العمومية والدخول في تخصيص التكاليف من أجل حماية الاقتصاد من الانهيار أو البقاء طويلا في ديون تعطل النمو الاقتصادي.
هناك أنواع أخرى من آثار الديون لكن هذه المرة في نماذج اقتصادية أكثر صلابة من النموذج السابق، تؤدي الديون إلى دفع الثروة إلى الأعلى رقميا دون أن تقابلها زيادة في القدرة الإنتاجية الحقيقية للاقتصاد، ويحدث شعور زائف بالثروة بسبب ارتفاع الأسعار للعقارات والأسهم وتنكشف عندما يتم تقييم الأسهم أو العقارات من مستثمرين قادمين من خارج المنظومة الاقتصادية، وتؤدي إلى تحديات نادرا ما يناقشها الاقتصاديون، ومن أمثلة تلك المخاطر تباعد واسع للقيمة الأساسية للأصول عن قيمتها الحقيقية، لأنها توجد لبس النشاط الاقتصادي وحساب الناتج المحلي، وهنا تتشوه علاقة النشاط الاقتصادي والنمو الاقتصادي لوجود قيمة وهمية ناتجة من الارتفاع لقيمة الأسهم، التي ترفع القيمة الإجمالية للناتج المحلي على سبيل المثال دون حدوث نشاط اقتصادي حقيقي، ولهذا تتحوط بعض المصارف من هذا الخطر بخصم كبير في قيمة الأصول المرتبطة بالديون، وهي ديون تربك الناتج المحلي أي نمو مصطنع بدليل ضعف توليد الوظائف الجديدة وتدني الأرباح.
مخاطر الديون لا حصر لها لكن للخروج منها يمكن الاعتماد على مراقبة أثر الدين الحكومي في الأنشطة الاقتصادية وليس GDP من حيث النمو والأرباح وتوليد النقد الأجنبي لبعض القطاعات، ومراقبة أيضا الإنفاق الرأسمالي للشركات والعائد ومتابعة الاستثمارات الرأسمالية غير المنتجة ومحاربتها اقتصاديا، وتفسير أي تحويلات مالية عالية عندما يكون الأداء الاقتصادي دون المستوى الأمثل ومحاربة الثروات الوهمية اقتصاديا، والناتجة من المضاربة الشرسة في الأصول، وفي الختام أظن أننا بحاجة إلى التأكيد مرة تلو المرة على أهمية الديون للاقتصاد لكن بشرط أن تستخدم للاقتصاد الحقيقي والإنتاج.

إنشرها