ثلاثية المواهب والمال والابتكار

ظهرت الشركات التي وصفت لاحقا بـ"أحادية القرن"، أو التي يطلق عليها اسم "اليونيكورن" باللغة الإنجليزية منذ 2005، ومع ذلك لم يظهر هذا المصطلح إلا في 2013 عندما صاغته ألين لي في تقرير خاص عما سمته نادي وحيدات القرن، وهي الشركات الخاصة الناشئة التي حصلت على تمويل واحد على الأقل من رأس المال المؤسسي، ولديها قيمة سوقية تقديرية بمليار دولار أو أكثر.
هذا التعريف يحدد صفات مهمة للشركات التي تصنف كوحيدات قرن، فهي شركة خاصة ناشئة، حصلت على تمويل مؤسسي من صناديق استثمارية ولم تطرح في اكتتاب عام، وأصبحت قيمتها السوقية مليار دولار أو أكثر عند الطرح أو الاكتتاب. ومن المناسب الإشارة إلى أن ألين لي، التي صاغت هذا المصطلح في 2013، شريك مؤسس في شركة Cowboy Ventures، المختصة في دعم شركات التكنولوجيا منذ مراحلها الأولى وتحولها إلى علامات تجارية، وقد وضعت سؤالا مهما في تقريرها عن سبب توجه المستثمرين نحو تمويل شركات بهذا الحجم الضخم، ووضعت قاعدة أساسية، هي أن الصندوق الاستثماري بحجم 400 مليون دولار يحتاج إلى أن يستثمر بنسبة 20 في المائة ليستعيد استثماراته الأولية في شركتين تصبح قيمة كل واحدة مليار دولار عند الاستحواذ عليها أو طرحها للاكتتاب في أسواق المال، أو 20 في المائة في شركة واحدة تصبح قيمتها ملياري دولار.
لكن، ما احتمالات تحقيق شركة خاصة ناشئة قيمة مليار دولار عند الطرح في الأسواق المالية؟ لذا تمت دراسة بيانات شركات التكنولوجيا التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، التي بدأت منذ كانون الثاني (يناير) 2003 وبلغت قيمتها مليار دولار، ولاحظت أن هناك أربع شركات من نوع وحيدات قرن نشأت خلال العقد الأول من القرن الحالي، وتعد شركة فيسبوك الرائدة في ذلك، وكانت الشركات تندرج في أربعة نماذج أعمال رئيسة: التجارة الإلكترونية، الشركات الموجهة نحو المستهلكين، البرمجيات كخدمة، وبرامج المؤسسات. وتبين أن الشركات الموجهة نحو المستهلك أكثر قدرة على جمع الأموال، لكن الشركات الموجهة نحو المؤسسات كانت الأكثر قيمة في المتوسط، وكلما كانت الشركة الناشئة من مجموعة مؤسسين أعمارهم 30 عاما فأكثر، والمتعلمين جيدا وعملوا معا مدة طويلة كانت فرص نجاح الشركة كبيرة، وأصبحت سان فرانسيسكو المكان المفضل لشركات وحيدات قرن، وليس وادي السيليكون، كما كانت الحال في نهاية القرن الماضي، ويتركز في الولايات المتحدة والصين نحو 80 في المائة من تلك الشركات، بينما يتوزع الباقي في 40 دولة ومنطقة حول العالم، وشهدت الهند نموا كبيرا في الشركات أحادية القرن، خاصة العاملة في مجال التكنولوجيا، حيث باتت تحتل المرتبة الثالثة.
ويشير تقرير نشرته "الاقتصادية" أخيرا إلى أن هذه الشركات تنمو حيث تتوافر عوامل محددة، مثل: التمويل الهائل المتاح لمؤسسي تلك الشركات، القدرة على الابتكار، البيئة المنظمة جيدا، ووجود قطاع خاص قوي تقوده صناعة التكنولوجيا، ولهذا سيطرت الولايات المتحدة منذ 2005 على كل الشركات التي بلغت 14 شركة من الشركات "أحادية القرن" على المستوى العالمي، لكن في بداية 2016 بدأت الدول تتنافس على توفير بيئة خصبة ليصبح إجمالي الشركات الدولية التي تدخل ضمن فئة اليونيكورن 165 شركة، وبحلول 2018 بلغت الشركات 266، وفي منتصف 2021 قدر العدد الإجمالي لشركات اليونيكورن أو أحادية القرن بـ743 شركة بزيادة قدرها 350 في المائة، ويؤكد التقرير أيضا أن بعض الشركات "أحادية القرن" حققت نجاحا كبيرا، إلى درجة أنها انتقلت الآن إلى مرحلة "ديكاكورن"، أي شركات تقدر قيمتها بعشرة مليارات دولار أو أكثر، وأصبح يطلق عليها "عشارية القرن"، لكن هذا النجاح كله والسوق الرائجة طوال عقدين من الزمان يواجهان اليوم تحديا كبيرا مع استمرار معدلات التضخم المرتفعة، التي ينظر إليها الخبراء ومحافظو البنوك المركزية باعتبارها التحدي الاقتصادي الأبرز في وقتنا الراهن، وتتواصل المناقشات في الوقت ذاته بين الاقتصاديين من احتمال تعرض بعض الاقتصادات الكبرى للركود، ومع هذا العدد المتزايد لشركات اليونيكورن، فقد يكون هناك خطر في أن الركود سيدفع المستثمرين بعيدا عن الاستثمار في هذه الشركات، كما أن ارتفاع العوائد يدفع المستثمرين نحو استثمارات خاصة أكثر أمانا.
لذا يرى بعض المختصين أن التحدي الذي يواجه تلك الشركات خلال الركود هو تحقيق خطط عمل وابتكارات تساعد على تحقيق نمو مستدام، خاصة أن حجم رأس المال المتدفق لدعم الشركات أحادية القرن نما بشكل كبير خلال العقود الماضية، وكان هذا مدفوعا بثلاثة عوامل رئيسة كانت تتزايد باستمرار، هي: تنامي المواهب نتيجة ارتفاع المستويات التعليمية، توافر رؤوس الأموال، ومعدل التغيير التكنولوجي. فمتى توافرت هذه العوامل في أي اقتصاد، فإن فرص نجاح الشركات أحادية القرن يعد كبيرا.
تلك العوامل التي أشار المختصون إلى أنها اليوم متوافرة في السعودية، خصوصا مع وفرة رؤوس الأموال والسياسات القائمة على تبني العناصر الموهوبة أو استقطاب مهارات من الخارج، مع اهتمام واضح بالذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة من إحداث ثورة في السوق والارتقاء بالاقتصاد الوطني، والمشهد هذا فرصته مواتية بكل تأكيد في الشركات السعودية للارتقاء إلى مصاف الشركات أحادية القرن، بل عشارية القرن أيضا وإيجاد جوانب جديدة. ومع تقدم الإنجازات وتحقيق مستهدفات رؤية 2030، فإن وصول عدد من الشركات السعودية إلى هذا المستوى قد أصبح مأمولا بشكل كبير، في ظل توافر كل العوامل الصالحة للبيئة الاستثمارية وتطوير الأعمال ومناخ الاستقرار الاقتصادي الذي يحقق المكاسب المستهدفة واتساع رقعة العمل في هذا القطاع مستقبلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي