متى تكون الديون عبئا على الاقتصاد؟ «1 من 2»

علينا أن ندرك أن الديون جزء من كفاءة النظام الاقتصادي، ولا تمثل مشكلة عندما يقابل ذلك إنتاج حقيقي مثل زيادة معروض السلع والخدمات، وفي الوقت نفسه زيادة الطلب في الجانب الآخر، أي أنه تقابل بين العرض والطلب الحقيقي ويحفز كل منهما الآخر على النمو بطريقة متناوبة ـ إن صح التعبير - وسيقوم الدين بالتلاشي تدريجيا وينخفض ذاتيا مع السداد وإعادة الاقتراض ما لم تكن هناك خدمة دين مفرطة تتفوق على معدل الناتج المحلي الإجمالي، وفي الأغلب أن الدول تفشل في هذه المرحلة عندما لا تستطيع دفع تكلفة خدمة الدين بسبب ارتفاع سعر الفائدة، أو تراجع النمو الاقتصادي، أو حتى وجود فساد أو عملية غير اقتصادية تمنع الدين من أداء وظيفته الاقتصادية، أو يتجه الدين إلى استثمارات غير منتجة، ويمكن وصف هذه الحالات بفشل دعم القرار الاستثماري أو تعارض السياسات الاقتصادية، أو عندما يطلق التنفيذيون مبادرات تتعارض مع السياسات الاقتصادية دون قصد وتأخذ الموافقة التنظيمية، لكنها في المقابل لم تنل التأييد الاقتصادي الكافي من صناع السياسات الاقتصادية الكلية.
جميع ما سبق يمكن فهمه بأنه قواعد وأسس مباشرة لكن عندما يتغير مسار الديون من الإنفاق على البنية التحتية أو تتوجه أرباح الشركات إلى قطاعات أخرى على حين غرة من صناع السياسات الاقتصادية، فقد يشجع تضخم الديون إلى فائض ونراه بصورة واضحة في ارتفاع أسعار المضاربات في العقارات وأسواق الأسهم أو أي أصول أخرى، وهذا ناتج من تأثير الثروة، وفي هذه المرحلة يأتي دور الاقتصاديين في تفتيت تلك الثروات وإعادتها إلى الإنتاج مرة أخرى، أو تقييد بعض القطاعات بالتنظيمات أو الضرائب التي تطرد تلك الأموال الضارة بعيدا عنها، أي عن القطاعات المستهدف بالمضاربة، وفي نهاية المطاف تضرب النمو الاقتصادي بطريقة مفاجئة، أو تؤدي إلى حدوث هبوط تدريجي لكن طويل الأمد، ما يطرد الاستثمارات طويلة الأجل التي تفضلها الحكومات والبنوك المركزية لما لها من أثر مستدام في النمو الاقتصادي.
أما الأثر المشهور للديون المفرطة، فإنه يؤدي إلى مستويات مرتفعة التضخم، ثم إلى حالة عدم يقين تمنع الأعمال التجارية والاستثمارات من التوسع، وبالتالي تصبح القطاعات الاقتصادية محفوفة بالمخاطر ويحدث ما تهرب منه الحكومات، أي البطالة وارتفاع ديون الأسر وما يحدث من اختلالات تؤثر في إنفاق المستهلكين في الطبقة المتوسطة التي تحمي الاقتصاد.
غالبا عندما يتم الإفراط في الديون ويظهر التضخم وتنخفض القوة الشرائية، يقوم الأثرياء بشراء العملات الأجنبية أو أصول خارجية، وهذه المرحلة من أسوأ المراحل، لأنها تؤدي إلى هروب الأموال.

وعلى الرغم من جميع الصورة التي ذكرتها اليوم، إلا أن الديون مفيدة للاقتصاد ـ إذا ما أدى الدين إلى نشوء طلب وعرض مقابل بطريقة تلقائية سواء على مستوى الدين العام أو دين الأسر أو ديون الشركات... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي