Author

دروس من الكساد الماضي

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

لا يزال الاقتصاد الأمريكي يرسل إشارات مربكة إلى العالم ويعزى ذلك إلى الفجوة بين التضخم الحالي والمستهدف من الفيدرالي ومسار سياسات التشديد النقدي القائمة، ولا سيما أن التضخم الأمريكي يظهر مقاومة عنيدة، أي أننا قد نعيش أعواما طويلة من معدلات الفائدة المرتفعة حتى يتمكن الاقتصاد الأمريكي من ترويض التضخم، وهذا له انعكاسات سلبية على القطاع الخاص والحكومات وسنرى المشهد أكثر تعقيدا إذا ما تحول التضخم إلى حالة مزمنة أو تضخم مقاوم للسياسات النقدية المشددة التي تفرضها البنوك المركزية حول العالم، بمعنى آخر أن المدخلات الأولية ستظل مرتفعة بسبب التضخم وتبعا لذلك لن تستطيع الشركات تعديل أسعارها لتحقيق نمو يتسم بالمرونة مع ارتفاع تكلفة رأس المال، وفي الحين ذاته سيصل الألم إلى المستهلكين من خلال استمرار ارتفاع الأسعار، ما يدفعهم إلى ترك أعمالهم أو طلب أجور أعلى وتداخلات لا حصر لها.
أعلى متوسط معدلات للفائدة مرت على العالم منذ 1955 كانت ما بين 1973 و1991، على مدى 18 عاما كانت معدلات أسعار الفائدة مرتفعة بنسبة أعلى من 5 في المائة، وبلغت ذروتها 16.39 في المائة في 1981، أما على المتوسط العام لمعدل أسعار الفائدة للفترة 1973 و1991 كانت 8.85 في المائة، وعلى الرغم من أن معدل الفائدة المرتفع لم يكن سببا كافيا لمنع نشوء الثورة الصناعية الثالثة في الثمانينيات، وكان الركود الاقتصاد الأشد منذ الحرب العالمية الثانية من 1980 إلى 1983، وهي صورة أشد من حالة الركود التضخمي الحالي حيث بلغ التضخم 13 في المائة 1980، وهو الأعلى تاريخيا وبلغ معدل سعر الفائدة آنذاك 13 في المائة أيضا، وعلى الرغم من سعر الفائدة المرتفع لم يستجب التضخم وتم رفع سعر الفائدة إلى 16 في المائة في 1981، ليتراجع بعدها إلى 3.2 في المائة في 1983، وظل التضخم بعد هذا التاريخ في نطاق مستهدفات الفيدرالي حتى 2021، أي في متوسط 2.6 في المائة على مدى 38 عاما وهي نسبة مثالية للنمو الاقتصادي والازدهار.
دروس التاريخ الاقتصادي لا يمكن إهمالها عند البحث عن حلول اقتصادية، لذا الركود التضخمي الذي استمر ثلاثة أعوام متتالية وتمت السيطرة عليه بمتوسط سعر فائدة 12.2 في المائة ما بين 1980 و1982 وبعدها تراجع التضخم في 1983 إلى 3.21 في المائة، وهي نهاية مرحلة الكساد الاقتصادي، ومنذ ذلك التاريخ لم يدخل الاقتصاد العالمي مرحلة كساد، وبما أن الظروف الاقتصادية مختلفة، فإن أفضل سيناريو اقتصادي حاليا هو رفع سعر الفائدة بشدة لفترة قصيرة بهدف منع انزلاق الاقتصاد إلى تضخم مزمن، لكن هذه المرة نحتاج إلى استغلال تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة بما في ذلك العملات المشفرة كجيل جديد من النقود وبالنسق نفسه ما تم في الثمانينيات من القرن الماضي من استغلال الثورة الصناعية الثالثة التي كانت من أهم محركات الازدهار الاقتصادي.

إنشرها