Author

الديون العالمية .. خوف من فقاعة

|
كاتب اقتصادي [email protected]

لا تتوقف التحذيرات من الجهات الدولية المختصة من مغبة خروج مستويات الديون العالمية عن السيطرة. فهذه الديون لم تعد منذ عقود حكرا على دول دون غيرها، بل تجمع الدول المتقدمة والفقيرة وتلك التي توصف بالأشد فقرا تحت ضغوطها، وتبقى ثغرة صارت شبه مستدامة في الاقتصادات التي تعانيها.

والمثير أن هذه الديون باتت ترتفع في أوقات الأزمات وأزمنة الانتعاش. وفي الأعوام الأخيرة، زادت من حجم أعبائها، ولا سيما في أعقاب انفجار جائحة كورونا، مع ارتفاع حجم المخاطر الناجمة عن العجز عن السداد.

فحتى في دولة كبريطانيا تحتل المركز الخامس كأكبر اقتصاد في العالم، اضطر بنك إنجلترا المركزي الصيف الماضي إلى بيع سندات من أجل تأمين السداد، في أعقاب الفوضى الخطيرة التي أحدثتها حكومة ليز تراس البريطانية، وأسفرت عن خروج هذه الأخيرة من الحكم في 44 يوما فقط.
بالطبع هناك تفاوت كبير في المخاطر بين دولة وأخرى.

ففي حين ترتفع حدة هذه المخاطر في آسيا وإفريقيا، فهي تقل في ساحات أخرى. لكن في النهاية تبقى الديون الهم الماثل دائما على ساحات اقتصادية متغيرة.

مع نهاية العام الماضي بلغ حجم الديون العالمية أكثر من 305 تريليونات دولار، تم تقسيمها على الشكل التالي، 23 في المائة ديون خاصة أهلية، و38 في المائة ديون شركات، و39 في المائة ديون حكومية.

وشهدت موجة الديون ارتفاعا منذ النصف الثاني من العام الماضي بأكثر من خمسة تريليونات دولار، وذلك مع ازدياد وتيرة الاقتراض بسبب الأعباء التي أتت بها الموجة التضخمية الهائلة على العالم، التي لا تزال موجودة على الساحة بدرجات متفاوتة لكنها عالية.

فضلا عن عمليات الإنقاذ المالية التي أقدمت عليها الحكومات في أعقاب انفجار جائحة كورونا، لانتشال المؤسسات المتضررة.
اقتربت نسبة الدين العالمي من 350 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يتوقع معهد التمويل العالمي أن تصل هذه النسبة إلى 205 في المائة بنهاية الشهر الجاري.

أي أن الارتفاع متواصل، وبالتالي ستتواصل الضغوط والمخاطر، خصوصا من جهة الدول التي تواجه ظروفا اقتصادية صعبة، وتراجعا كبيرا في النمو، وارتفاعا لا يتوقف لتكاليف خدمة الدين.

ولا شك في أن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، يؤدي إلى مزيد من التفاقم للوضع العام، خصوصا في الدول النامية، التي تواجه منذ ستة أشهر ضغوطا أكبر بسبب الارتفاع المتزايد للدولار، بفعل الزيادة الدورية للفائدة في الولايات المتحدة، من أجل مواجهة مستويات التضخم على الساحة الأمريكية. فأغلبية القروض "كما هو معروف" مقومة بالدولار، إلى جانب عدد آخر من العملات العامية المحورية الأخرى.
ولا تزال التحذيرات تصدر من هنا وهناك من مغبة عجز بعض الدول عن السداد، كما حدث العام الماضي في سريلانكا.

ويعتقد شاكتيكانتا داس محافظ بنك الاحتياطي المركزي الهندي، بأن تفاقم مشكلة الديون في منطقة جنوب آسيا، ستمتد إلى الشركاء التجاريين لدول هذه المنطقة، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان التباطؤ الاقتصادي في هذه المنطقة وغيرها حول العالم. وبالطبع تعاني هذه الدول وغيرها ضغوط الفائدة الأمريكية التي ستواصل الارتفاع على الأقل حتى منتصف العام الجاري.

وتؤكد مؤسسات عالمية كبرى، مثل البنك وصندوق النقد الدوليين، ضرورة الإبقاء على مستويات مرتفعة للفائدة سواء في الولايات المتحدة وغيرها من أجل كبح جماح التضخم، ما يعني أن الضغوط متواصلة على الدول النامية التي تعاني أعباء الدين العام، والاقتراض الخارجي.
المشكلة الأساسية على صعيد الديون العالمية، تعود أساسا إلى العقد الماضي، وليس إلى الفترة الحرجة الراهنة. ومن هنا يمكن فهم المخاوف من "فقاعة ديون"، يحذر منها صندوق النقد الدولي بالفعل.

أما لماذا هذا التحذير في الوقت الراهن؟ لأن توقعات النمو الضعيفة، حتى في دول معروفة بنموها المرتفع كالصين والهند، إضافة طبعا إلى السياسة النقدية المشددة، تستدعيان الحذر على صعيد هذه الديون. وهذه النقطة على وجه الخصوص، تمثل الخوف الأكبر مع إمكانية انضمام دول جديدة إلى قائمة تلك التي عجزت بالفعل عن السداد في العامين الماضيين.

ففي الآونة الأخيرة أسرع صندوق النقد والبنك الدوليان إلى تكثيف محادثتهما مع دول بعينها لمنع الوصول إلى مرحلة العجز، والحفاظ على ما أمكن من المكتسبات الاقتصادية لهذه الدول.

ليس هناك مجال أمام تقليل المخاوف من جهة الديون العالمية، سوى رفع النمو إلى أعلى مستوى ممكن، فضلا عن خفض تكاليف الاقتراض.

وهذا لن يحدث في العام الجاري على الأقل، إذ من المتوقع أن تدخل ثلث الاقتصادات العالمية في دائرة الركود من الآن حتى منتصف العقد الحالي، في حين أن التباطؤ سيظل موجودا على الساحة لفترة لن تكون قصيرة.

ومن هنا، كل المخاوف ستكون مبررة في الفترة المقبلة، مع ارتفاع لافت للاقتراض من جانب دول تعاني أصلا مصاعب في السداد. إنها مرحلة خطرة، ربما لن تشهد فقاعة قريبة، إلا أنها ستكون أقرب إليها.

إنشرها