Author

متغيرات السياحة ونموذج السعودية

|

يبدو واضحا من خلال الأرقام والتوقعات الحديثة حول السياحة العالمية، أنها تشهد بعض المتغيرات على الأداء التقليدي لها.

وهذا أمر طبيعي في قطاع يجمع قطاعات عديدة ضمن نطاق حراكه، إضافة طبعا إلى تأثيرات الخلافات الجيوسياسية ومخرجاتها في صناعة عالمية، ستشهد إنفاقا من قبل السياح في العام الجاري -وفق عديد من الخبراء- بنحو 1.4 تريليون دولار، خصوصا مع ارتفاع أعداد السياح على الصعيد العالمي 30 في المائة.

ولأن هذه الصناعة تنمو بصورة كبيرة، فقد زاد إنفاق السياح العابرين للقارات 112 في المائة العام الماضي، مقارنة بالعام الذي سبقه، أي أنه بمجرد أن تحرر العالم من قيود جائحة كورونا، حققت قفزات نوعية في حجم الإنفاق، على الرغم من مواصلة بعض الدول فرض القيود بدرجات متفاوتة.
وإذا كان ازدياد عدد السياح مع ارتفاع حجم إنفاقهم، يمثل عاملا طبيعيا في صناعة لا تتوقف عن النمو، إلا أن هناك تغييرات وحتى تبدلات ليس فقط في الوجهات السياحية التقليدية، بل في الثقافة السياحية ذاتها.

ومن الوجهات اللافتة التي أثبتت حضورها المتميز في الفترة الأخيرة، المملكة العربية السعودية، ويعود السبب الوحيد في ذلك، إلى الأدوات والمخططات التي جلبتها رؤية المملكة 2030 إلى المشهد الاقتصادي والاجتماعي العام في البلاد.

فقد وفرت "الرؤية" الأرضية اللازمة لنمو قطاع سياحي سعودي في مدة زمنية قصيرة، كما أنها أظهرت القدرات العملية والطبيعية التي تتمتع بها السعودية في هذا الميدان الحيوي، بما فيها مناطق جاذبة للسياح والباحثين عن الاستكشاف، فضلا عن المواقع التاريخية الأثرية التي تعج بها البلاد في كل أرجائها.
وتعول السعودية على زيادة مساهمة قطاع السياحة في الناتج الوطني، حيث أعلنت وزارة السياحة استقطاب استثمارات تقدر بـ115 مليار ريال حتى وقت إطلاق التأشيرة السياحية، ومتوقعا في 2030 استقبال مائة مليون زيارة سنويا، لتكون المملكة ضمن أكثر خمس دول استقبالا للسياح عالميا.
لهذه الأسباب وغيرها، تأتي توقعات الخبراء، بأن المملكة ستشهد نموا متواصلا ومتسارعا على الساحة السياحية، خصوصا أنها تستند إلى بنية تحتية ومادية وثقافية قوية وجاذبة للسياحة عموما. وفي الأعوام القليلة الماضية، نما عدد الزائرين القادمين إلى السعودية، ليس فقط بغية السياحة، بل لمشاركاتهم في المناسبات الكبرى والمؤتمرات والمنتديات والفعاليات الرياضية والثقافية والتنافسية بشكل عام. وهذا يضيف قوة أخرى إلى مجمل المشهد السياحي في المملكة عموما.

يضاف إلى ذلك، القدرة التي أظهرتها البلاد في فترة زمنية قصيرة على توفير الكوادر المحلية، وفق أعلى المعايير العالمية.

وهذه النقطة تعد أيضا محورا رئيسا ضمن رؤية المملكة 2030. ولذلك فالساحة جاهزة لاستيعاب أكبر عدد من السياح في المرحلة المقبلة، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان، عودة العالم إلى حراكه الذي كان عليه قبل كورونا.
واللافت أيضا، تلك التوقعات بانتعاش متفاوت للسياحة في منطقة الشرق الأوسط، وتراجعها في مناطق أخرى.

وفي المجمل، فإن عدد السياح على المستوى العالمي سيواصل الارتفاع في العام الحالي، رغم أنه لن يصل إلى المستوى الذي كان عليه في 2019، العام الذي سبق كورونا.

فبنهاية العام الحالي سيصل عدد السياح الوافدين على مستوى العالم إلى 1.6 مليار سائح، وسيبقى أقل من 1.8 مليار سائح في 2019. لكن المؤشرات كلها تدل على أن المسار السياحي سيمضي قدما، مع تراجع في أماكن قريبة من بؤر النزاعات، كأوكرانيا وروسيا، فضلا عن تعثر نسبة من رعايا هاتين الدولتين في القيام بنشاطاتهم السياحية التقليدية.
ومن ضمن المناطق التي ستتأثر سلبا أوروبا الشرقية، التي تنال منها تداعيات الحرب في أوكرانيا، حيث تشير التوقعات إلى أن قطاع السياحة هناك لن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب حتى 2025.

لا شك في أن القطاع السياحي العالمي، كان أول القطاعات التي تلقت الضربات تلو الأخرى من جائحة كورونا، ويبدو واضحا أنه يعود إلى مساره السابق تدريجيا، مع تغيرات عديدة، في مقدمتها تنامي أهمية وقوة مناطق محددة في العالم على الصعيد السياحي عموما.

إنشرها